محمد ولد افو
حسنا ...
علينا أن نعقد اتفاقا .
كلانا لا يستطيع أن يبدل لونه ولا أن يورث أبناءه لون الآخر .
كلانا غير مرحب به في بلد آخر .
ودعني أنا وأنت نتحلل من ألواننا حتى نعقد هذا الإتفاق .
فكما تعلم العقل مفهوم عقلي لا لون له .
ومادة الميلين في جمجمتي وجمجمتك هما بنفس اللون ، وأجهزتنا العصبية كذلك .
وهذا يعني أن اللون لا يؤثر في التفكير ولا علاقة له بما سنتفق عليه .
هناك تاريخ لمشكلة لحراطين لا نمتلك استرجاعه ولا تحويره ولا يمكننا محاكمة الهياكل الممدة في باطن الأرض.
لكن يمكننا أن نتحدث عن تبعات ذلك الماضي بصدق وأمانة وأن نبحث عن الجروح النازفة والملتهبة تحت ضمادات الزيف والتجاهل والتعامي .
اسمع يا صديقي
هناك حرطانية حملتني على أكتافها وهي منهكة من يوم شاق قالت لظاه وهي ترعى الغنم التي سأعتق ضرعها تلك الليلة .
وأخوها كان ذات اليوم على " الحاسي " يجلب ذات الماء الذي يتخلل جسدي هذه اللحظة .
وأمها هي من حملت فأسها واحتطبت وطبخت تلك اللقيمات التي شدت صلبي .
وخالها هو من بذر ورعى بذرته حتى أوصلها لمرجل أخته أعلاه .
وحين استودعني والدي شيخ المحظرة ، وأوصلني باب المدرسة ، كان يرسل أترابي من لحراطين للرعي والحرث والسقي لأنعم بالراحة والتفرغ لمستقبلي .
وفي الوقت الذي كان الأستاذ في المدرسة يردد " لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى " ، كان بلال يستظل تحت شجرة في الفلاة خاوي الأعماء مكسوا بترسبات جسده المنهك .
وفي الوقت الذي كنت أردد في المحظرة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " كانت والدتي تستعيذ من زواج قريبتنا بمهندس حرطاني خلوق قيل أنه أوهمها عند الزواج بأنه شريف .
كنت مشبعا بالقيم وكان الواقع مشبعا بنقيضها .
كنت أتآمر مع أهلي على الفضيلة .
وكنا نعيش بذاكرتين وعقل مزدوج .
ذاكرة تمنحك مفاهيم " ول خيمة كبيرة " وهي ذاكرة مطلة على القرآن .
وأخرى مجاورة معفية من التقييم ، مخصصة لمجتمع لحراطين ، وهي ذاكرة موصدة ( لا نوافذ ولا أبواب ) .
لا أدري كيف توصلت إلى طريقة لفتح قناة بين الذاكرتين .
لكن الأمر كان متأخرا بعض الشيء .
وبعد أن أتخمت بطني ليلة مسغبة بلال .
وبعد أن تداركت عقودا من التحصيل والتربية سمحت لي ببعض الوجاهة والرخاء .
يداي ناعمتان وخطي جميل ، ويدى بلال متشققة دما ولا يعلم الآن كيف يفك طلاسمي هذه .
نعم ...
أنا محمد افو استعبدت لحراطين رغم أني أستطيع التنكر لذلك بكل بساطة وأرسل دعاوى الحق ومدعيها إلى قبر جدي على ظهر" طرحة فريدي " في تخوم الحوض .
ولا أريدك يا صديقي أن تستعرض في بطولاتك بأنك جعلتني أعترف بذلك.
أنا من تعب في نحت ذلك النفق في صخر ما بين الذاكرتين .
لكن دعني أقود معك هجوما عفويا على كل الشباب من سني بأنهم استعبدوا لحراطين بذات الطريقة .
وحين يهرب مواليد الثمانينات والتسعينات من معيتي في هذا الاعتراف ، سأساهم معك في محاصرتهم باستعباد لحراطين بطريقة أحدث .
ليس منا نحن البيظان من لم يستعبد حرطانيا بطريقة ما .
لنأخذ استراحة صغيرة يا صديقي ثم نعود ....
***
كل ماذكرته لك ليس دعوة ضمنية لتشهر سلاح تشهيرك ضدي ، ولا عقدا مفتوحا باستباحة عرقي وعرضي .
ولا دعوة لاعتبار البيظان عار يجب غسله من خارطة الوطن .
ما ذكرته لك ليس نفيا قسريا لكل تاريخ البيظان وقيمهم ، ولا كفرا بدينهم أو كل أعرافهم .
ولا تسفيها لوعيهم ولا تنقيصا من شأنهم
فهؤلاء شكلو هوية مجتمع فاضل أسهم ويسهم في ثراء الوطن المعرفي والأخلاقي .
وحظ السارق من السرقة قطع يده لا قطع عنقه .
وحظ المتخاصمين الصلح أو الحكم لا النفي من الأرض ولا التعليق بالأرجل.
مجتمع البيطان مجتمع فاضل على علاته و لم يعد ينوي فتكة بكرا ولا صولة تثير النقع على لحراطين .
أنا أعترف بحقك ومظلمتك ، ورغم اعترافي باستعبادك ، فأنا بحكم القاتل خطأ ، (لا يمكن أن يسترجع الروح ، ولا يمكن أن تزهق روحه )
دعنا نمضي سويا في معالجة الوضع .
حنجرتي دون حنجرتك
وظهري دون ظهرك .
ولن ينال من جسدك غير ما يدمي جسدي .
ولن تغرورق عيناك قبل أن تكفكفها دونك محاجري .
ولكن ياصديقي " لاتليت نسمعك قايل شي خاسر للبيظان ".
لأنك بذلك تحدد لونا لاتفاقنا وتمزقه إلى نصفين .
فأنا كما تعلم لازلت أعتقد أن لا لون للتفكير ولا لعقود الإتفاق .
ولون جلودنا سطحي أما تفكيرنا وخطابنا فلا ينبغي أن يكون كذلك .