د. يربان الخراشي
واصلت أسعار خامات الحديد هبوطها أمس الثلاثاء في الأسواق العالمية مسجلة أدنى مستوى منذ ستة أشهر 54 دولار / طن حسب مؤشر بلاتس (Platts) ، الأسعار التي حققت ارتفاعا خلال شهر فبراير الماضي هو الأعلى ( 95.05 دولار / طن) ، وفي أقل من أربعة أشهر انخفضت بمعدل 43% .
اليوم وفي ظل استمرار الزيادة في المعروض عالميا، وتوقعات يغلب عليها عدم التفاؤل، لا يسعنا إلا أن نتساءل : هل بلغ هبوط أسعار خامات الحديد نهايته أم أنها ستستمر في الانخفاض؟
يعتقد جل المحللين الدوليين بأن السبب الرئيسي في انخفاض الأسعار هو وجود اختلال كبير في ميزان العرض والطلب عالميا، خاصة في السوق الصيني المحرك الأكبر للطلب على المادة الخام وتقف وراء هذا الاختلال عوامل، ومتغيرات كثيرة نذكر منها الثلاثة عوال الرئيسية التالية :
أولا : - زيادة عامة في الإنتاج لدى الأربعة الكبار
أظهرت بيانات تقرير الربع الأول للإنتاج العالمي من المادة الخام حصول زيادة بنسب متفاوتة في الإنتاج لدى الأربعة الكبار (فالي، ريو تينتو، بي.اتش.بي و فورتيسك ميتالز ) باستثناء ريو تينتو، وقد ذكر التقرير أن إنتاج شركة فالي البرازيلية خلال الربع الأول من السنة الجارية بلغ( 86.2 مليون طن) بزيادة قدرها 11.2 % ، أما شركة فورتيسك ميتالز فقد بلغ إنتاجها (44.7 مليون طن) بزيادة قدرها 3.0٪، و حققت بي.اتش.بي حجم إنتاج وصل إلى ( 54 مليون طن ) بزيادة قدرها 1.8%، أما مجموعة ريو تينتو فقد انخفض إنتاجها بنسبة 1.7 % ليصل إلى (66.23 مليون طن ) ،هذا بالإضافة إلى زيادات معتبرة في الإنتاج لكل من إيران، سيراليون والهند، وقد رجح التقرير أن يواصل الأربعة الكبار زيادة معدلات الإنتاج لديهم خلال المتبقي من السنة.
ثانيا : - وفرة في المعروض في السوق الصيني
تشير بيانات السوق الصيني إلى حصول زيادة في وارداتها من خام الحديد بواقع 7.9% ، حيث بلغ حجمها حتى نهاية شهر مايو المنصرم 444.57 مليون طن، وتأتي هذه الزيادة في ظل بلوغ المخزون على مستوى الموانئ الصينية مستويات قياسية غير مسبوقة هي الأعلى منذ 13عاما (أكثر من 140 مليون طن) .
معاناة السوق الصيني المحرك الأكبر للطلب من وفرة في المعروض جاءت في وقت ما يزال الإنتاج الداخلي الصيني من المادة الخام يرتفع ولو بدرجة أقل من السابق، حيث تشير البيانات إلى أن حجم الإنتاج الصيني الداخلي من المادة الخام خلال الربع الأول من السنة بلغ حوالي 401 مليون طن بزيادة بواقع حوالي 12.3%.
ثالثا : - معركة التخلص من صناعة الصلب المعتمدة على خردة الحديد
تبنت رابطة صناعة الحديد والصلب الصينية خلال اجتماع موسع لأعضائها في 10 من يناير المنصرم القرار الحكومي الصادر بشأن تكثيف وتسريع وتيرة التخلص من صناعة الصلب المعتمدة على خردة الحديد عن طريق استخدام أفران الحث ( Intermediate frequency furnace) لصهر الخردة وتحويلها إلى مادة أولية، وتعاني هذه التقنية من عيب رئيسي خطير هو انعدام القدرة على التنقية؛ مما قد يؤثر إلى حد كبير على جودة سبائك الصلب المنتجة عن طريق أفران الحث هذه، وبالمناسبة توجد في سوقنا الوطني كميات من حديد البناء المنتج بهذه الطريقة رديء الجودة نتيجة لتغير مواصفاته، وخاصة القساوة، مما يجعله قابل للكسر عند اللي أو القص نتيجة لفقد المرونة.
الحملة الشرسة للتخلص من هذا النوع من الصلب مكنت حتى الآن حسب بيانات رابطة صناعة الحديد والصلب الصينية من إغلاق أكثر من 500 مصنع صغير تصل مجموع طاقتهم الإنتاجية إلى 119 مليون طن سنويا، وهذا ما جعل أسعار خردة الحديد تتهاوى في السوق الصيني، حيث تراجعت من 2000 يوان للطن إلى حوالي 1300 يوان للطن.
ويعتبر أصحاب المصانع الكبيرة الذين يستخدمون أفران القوس الكهربائي ( : Electric arc furnace) أو فرن العالي هم أبرز وأكبر المستفيدين من هذه الحملة بعد تحييد منافسيهم (أكبر مستخدمي الخردة أصحاب أفران الحث) بقوة القانون، ويستخدم أصحاب المصانع الكبيرة الآن الخردة الرخيصة الثمن كمادة أولية خام، وبديل استراتيجي لخامات الحديد المستوردة خاصة الخامات عالية التركيز الغالية الثمن نسبيا؛ مما تسبب في تراجع الطلب على الخامات المستوردة والتي أصلا يعاني السوق الصيني من الفائض في المعروض منها.
ويعتقد بعض المحللين خاصة المحللين الصينيين أنه ربما يكون هذا أهم الأسباب التي وقفت وراء سلوك أسعار خامات الحديد لمسار تنازلي دراماتيكي خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الاجتماع الطارئ الذي عقد في 27 مارس المنصرم، وكانت التعليمات الصادرة حينها واضحة وصريحة بضرورة التخلص من صناعة صلب أفران الحث المعتمدة على الخردة قبل نهاية يونيو الجاري.
والمتتبع لحركة أسعار خامات الحديد عالميا يلاحظ تراجعها بحوالي 25 دولار للطن خلال شهرين فقط بعد هذا الاجتماع حيث هبطت من حوالي 81 دولار للطن إلى 57 دولار للطن خلال الفترة ما بين 27مارس -27 مايو المنصرمين.
قد يكون سؤال "هل بلغ هبوط أسعار خامات الحديد نهايته؟" هو السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن بقوة في السوق العالمية لخامات الحديد لكن الإجابة عليه صعبة جدا في ظل اختلال ميزان الطلب والعرض عالميا نتيجة تأثيرعدة عوامل ومتغيرات متداخلة، وفي ظل وجود ظروف جيوسياسية عالمية معقدة، وربما هذا ما جعل توقعات بعض المحللين تتجه إلى الاعتقاد بأن هبوط الأسعار قد يستمر لكن بحدة أخف، حيث يعتقد دويتشه بنك الألماني (deutsche bank) بأن الأسعار قد تشهد المزيد من الهبوط لكنها لن تنهار، كما يعتقد ماكواري بنك الاسترالي (Macquarie Bank) أن الأسعار لن تهبط إلى ما دون 40 دولار للطن، ويعتقد آخرون أمثال بنك جوليوس باير (Bank Julius Baer) السويسري، وسوكدن فاينانشل (Sucden Financial) بأن الأسعار ستظل متذبذبة ما بين 55 -65 دولارا للطن