عبدالله عبدالقادر آدم
انهارت الحكومة الصومالية عام 1991م فأنهارت معها جميع المؤسسات الحكومية الداخلية والخارجية، واصبحت السياسة الخارجية للصومال موضعا للنسيان نظرا لعدم تواجد حكومة صومالية قادرة على اتخاذ قرارات عن الاوضاع والمتغيرات الجارية في المحيط والعالم.
واصبح موقف الصومال الخارجي في الأماكن التي تواجدت فيها البعثات الدبلوماسية الصومالية ـــ رغم عدم وجود حكومات وطنية ـــ مثل الامم المتحدة وجامعة الدول العربية وبعض دول العالم تسيرها هذه الدول والمنظمات كما تشاء ، حيث كانت البعثات الصومالية تصوت لصالح من يفرض عليها الهيمنة في اماكن تواجدها.
ورغم قيام مؤتمر عرتا في جيبوتي في عام م 2000م وتاسيس حكومة صومالية بقيادة عبدالقاسم صلاد حسن ، الا ان الحكومة آنذاك لم تكن لها استراتيجية خارجية واضحة المعالم نظرا لعدم تمكنها من السيطرة على الصومال نتيجة تشكيلها في خارج الصومال ولعدم تمتعها بالسيطرة الكاملة او الجزئية على العاصمة مقديشو والولايات الصومالية ولم تكن تتمتع هذه الحكومة بعلاقات تذكر مع المجتمع الدولي.
وفي عام 2004م تم تشكيل حكومة صومالية جديدة في امبغاتي بقيادة الرئيس الراحل عبدالله يوسف واستطاعت الحكومة أنذاك بالسيطرة على العاصمة مقديشو وبعض الولايات الصومالية بالقوة بعد تعاونها واستجلابها للقوات الاثيوبية الى داخل الصومال ودحر المحاكم الاسلامية التي كانت تسيطر على معظم مناطق الجنوب في الصومال ، وبدأت تتشكل علاقة صومالية بالخارج مستقوية بالنفوذ الاثيوبي رغم ان القرار الصومالي لم يكن مستقلا عن الارادة السياسية للدول التي كانت تساعد حكومة الرئيس عبدالله يوسف في بسط سيطرته على كافة ارجاء البلد.
وفي العام 2009م تم تشكيل حكومة صومالية جديدة مرة اخرى في جيبوتي بقيادة الرئيس الصومالي الأسبق شيخ شريف شيخ ، وكانت الدول الغربية ودول الجوار تسانده الى حد كبير في تولي مقاليد الحكم في الصومال إلا ان الصومال لم يكن يشهد علاقات دبلوماسية كبيرة مع دول العالم نظرا لهشاشة الاوضاع في الصومال ولعدم تمتعها باستراتيجية خارجية واضحة وشفافة.
إلا انه في العام 2011م حدثت مجاعة كبيرة في الصومال ، واصدرت المنظمات الدولية تقارير تشير الى عدم تمتع الصومال بأمن يذكر في تلك الفترة مما حدا بالكثير من المنظمات بعدم القدوم الى الصومال ناهيك عن البعثات والزيارات الدبلوماسية الا ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خالف كل التوقعات وزار العاصمة الصومالية مقديشو وجذب انظار العالم ، وبدأت المنظمات التركية تتدفق الى الصومال ما حدا بالمنظمات العالمية الاخرى الاقتداء بها والوصول الى الصومال.
ومنذ ذالك العام شهدت الصومال تسابقا محموما وتنافسا كبير بين دول العالم من اجل العمل على علاقات دبلوماسية مع الصومال واستعادت العلاقات معها.
وبدأ الدور التركي يتضح في الصومال وافتتحت تركيا سفارة لها في مقديشو وبدأت الكثير من الدول تفتتح سفارات لها في العاصمة مقديشو.
وفي بداية حكم الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود 2012م تطورت العلاقات الدبلوماسية الصومالية مع العالم واعترفت الحكومة الامريكية اخيرا بالحكومة الصومالية بصورة رسمية بعد اكثر من 20 عاما من عدم الاعتراف الرسمي بها ، لتدخل الصومال في جو محموم من التسابق الدولي اليها حيث افتتحت الدول الكبرى سفاراتها في الصومال مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والدول العربية والافريقية والاسلامية مما ارجع للسياسة الخارجية الصومالية نوعا من الزخم .
إلا ان حكومة الرئيس حسن شيخ محمود لم تستطيع بلورة سياسية صومالية واضحة المعالم تقوم على اساس المصالح الصومالية وتصفير المشاكل لعدم حاجة الصومال الى دخول مهاترات سياسية بين الدول المتصارعة اقليميا ودوليا.
حيث تبعت الصومال في كثير من الاحيان للاقوى او لمن يدفع لها اكثر كما حدث في الازمة السعودية وايران حيث اصطفت الصومال الى جانب السعودية وقطعت علاقاتها بالكامل مع ايران دون سابق انذار.
وخلال هذا العام 2017م تم انتخاب السيد المحبوب الى قلوب ملايين الشعب الصومالي السيد محمد عبدالله فرماجو الصارم في قراراته والمتطلع الى تكوين علاقات مع جميع دول العالم وتغليب المصلحة السياسية الصومالية على المصالح الأخرى .
ورغم قصر وجود مدته حيث لم تمر اكثر من مائة يوم منذ وصولى الى القصر الجمهوري في الصومالي وانتخابه رئيسا للصومال إلا ان الكثير شهد صولاته وجولاته في المنطقة والعالم من اجل تشكيل علاقات قوية مع العالم.
وجاءت الازمة الخليجية الجديدة بين قطر والسعودية والامارات والبحرين وبعض الدول العربية لكي يقف الجميع من اجل انتظار موقف السياسة الخارجية الصومالية ، هل ستكون السياسية الصومالية كما عهدنا من قبل وتختار بين الانضمام لأي من المعسكرين ؟ ام ستنضم الى ركب المقاطعين لقطر وستكون في صف السعودية كما وقفت من قبل الى جانبها ابان ازمة ايران والسعودية نظرا للوبي الاماراتي الكبير داخل الصومالي ولقوة العلاقات السعودية الصومالية خصوصا والمعونات الاقتصادية الضخمة التي تعهدت بها المملكة السعودية للرئيس فرماجو خلال زيارته الاخيرة اليها؟ ام سيكون الموقف الصومالي موقفا محايدا نظرا للدور الكبير لهذه الدول في الصومال حيث تتمتع الصومال بعلاقات قوية مع كل من قطر والسعودية والامارات والبحرين ومصر؟
وهنا جاء الرد من الحكومة الصومالية بصورة عقلانية تنم عن النضح والخبرة والدراية والحنكة السياسية للرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ولرئيس الحكومة حسن علي خيري ولوزير الخارجية يوسف غراد حيث وقفت الصومال في موقف الحياد بين الاخوة الاشقاء المتصارعين ، ورأت انه لا يجوز في هذه المرحلة ان تصطف الصومال الى احد جانبي الصراع، بل اتبعت سياسة حكيمية ودعت الى حل الخلاف بين الاخوة الاشقاء بالحور وبالطرق الدبلوماسية ، بل اوضحت انها مستعدة من اجل المشاركة في اي حل سلمي بين الاخوة مما يعبر عن تمتع القيادة الصومالية بالخبرة السياسية وان الصومال لم يعد كما كان من قبل ، بل اصبحت له سياسة صومالية واضحة المعالم تقوم على مبدأ تصفير المشاكل وتمتعها بعلاقات قوية مع جميع الاطراف والدول.
فحق علينا ان نقول نجاح باهر في اول اختبار للسياسة الخارجية الصومالية في عهد فرماجو …. دراية وخبرة وحنكة وتأني سياسي كبير عكس الحكومات السابقة المتسرعة في اتخاذ القرارات العفوية في المهاترات السياسة..
لذا نقول كما يستخدم في عالم الرياضة هدف من ضربة حرة بطريقة رائعة للفنان والموسيقار الكبير فرماجو يفتتح بها في بداية مشواره في دوري ابطال السياسة الخارجية ، أو كما غرد الاستاذ عبدالقادر بليوكه ((هدف بعد ٣٠ لمسه سجلها القصير المكير فرماجو من اسيست راىع من الجندي المجهول حسن علي خيري وفرحه كبيره من الجمهور)).
كاتب وباحث صومالي.