إن من يحب المملكة العربية السعودية ويهمه أمرها حقا، وإن من يحرص على بقائها موحدة وقوية وفي الطليعة عربيا وإسلاميا عليه أن يقول لها الآن،
وأن يكرر على مسامع قادتها وشعبها، بالسر والعلانية، بالغدو والآصال بأن قطر والإخوان المسلمين وحماس وقناة الجزيرة ليسوا أعداءً لها، ولا ينبغي لهم أن يكونوا كذلك,
بل على العكس من ذلك، فمصير قطر والجزيرة والإخوان وحماس سيبقى مرهونا بمصير المملكة، ومصير المملكة سيبقى هو أيضا مرهونا بمصير قطر والإخوان وحماس والجزيرة، هذا إذا ما نظرنا إلى الأمور نظرة عميقة وإستراتيجية، أما إذا نظرنا إليها نظرة سطحية وآنية، تتوقف عند
المظاهر والشكليات ولا تغوص في العمق، فإنه في هذه الحالة يمكننا أن نقول
بأن قطر والإخوان وحماس والجزيرة هم أعداء المملكة، بل هم أشد عداوة لها
من الصهاينة ومن أمريكا و من إيران..
إن مشكلة قطر الحقيقية تتمثل في كونها دولة صغيرة جدا، ومع ذلك استطاعت
أن تحقق نجاحات كبيرة عجزت عن تحقيقها دول أخرى. إن مشكلة قطر الحقيقية
تتمثل في كونها قد استطاعت أن تطلق فضائية عملاقة في منتصف عقد
التسعينيات من القرن الماضي، وهي الفضائية التي تبنت قضايا العرب
والمسلمين، وساهمت في وعي الشعوب العربية، وأصبح لها اليوم تأثير كبير
حتى على المستوى العالمي، وذلك في وقت عجزت فيه دول أكبر من قطر، وأكثر
موارد من قطر من أن تطلق فضائيات منافسة، ذات مصداقية وذات تأثير يذكر.
إن مشكلة قطر الحقيقية تتمثل في كونها وقفت مع حماس، ووقفت مع الشعوب
العربية، وأنفقت قسطا من المال الذي أنعم الله به عليها على الفقراء في
بلاد العرب والمسلمين. تلكم هي مشكلة هذا البلد الصغير الذي حقق نجاحات
كبرى، ولذلك فقد كان لابد له من أن يكسب أعداءً وخصوما حقيقيين، وهم
الخصوم الذين يريدون اليوم أن يعزلوا هذا البلد الناجح، وأن يظهروه
لأشقائه بأنه هو عدوهم الأول.
إن ما يجب قوله هنا هو أن المملكة وقطر والإخوان وحماس والجزيرة وكل
الشعوب العربية هم جميعا في مركب واحد، وفي سفينة واحدة، فإما أن ينجو
الجميع ويعبر إلى شاطئ الأمن والأمان في هذا الظرف العصيب من تاريخ أمتنا
العربية والإسلامية، وإما لا قدر الله ، فإن الجميع سيغرق ولا يهم من بعد
ذلك من غرق أولا، ولا من غرق ثانيا، مادام الكل في نهاية المطاف سيغرق.
لقد خُرقت السفينة في أكثر من موضع في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي
سوريا وفي مصر، وكان من بين الأسباب التي أدت إلى خرقها هو الوقوف ضد
إرادة الشعوب أو الوقوف ضد الإخوان وضد وصولهم إلى السلطة، والذين هم في
نهاية الأمر، وسواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، جزء من كيان هذه الأمة، لا
يمكن استئصاله، وإنما يجب العمل على استيعابه وعلى احتوائه كأي مكون آخر.
لقد خرقت السفينة في أكثر من موضع، وها هي الأمواج المتلاطمة قد اقتربت
من المملكة ومن بقية الدول العربية التي لم يصلها الطوفان من بعد، ومن
هنا فإن سد الخروق سيكون أولى من العمل على إحداث خروق جديدة، وإلى إحداث
المزيد من الخلافات بين المملكة وشقيقتها قطر، أو بين المملكة والإخوان
المسلمين والذين يعول عليهم مع غيرهم من مكونات الأمة للدفاع عن المملكة
وعن بقية البلدان أمام أي خطر قادم، سواء جاء ذلك الخطر من إيران أو من
أمريكا أو من العدو الصهيوني..
إن المستهدف في نهاية الأمر هو المملكة العربية السعودية لما تمثل في
المنطقة، واستهداف السعودية يتطلب استنزاف خيراتها ومواردها، واختلاق
مشاكل وهمية بينها وبين أشقائها في المنطقة، وعزلها عن تطلعات شعوب
المنطقة، وإيهامها بأن صداقة أمريكا وإقامة علاقات قوية مع حلفاء
الصهاينة في المنطقة سيحميها من شر قد اقترب.
على المملكة العربية السعودية أن تعلم بأن أمريكا لا يمكن أن يعول عليها،
وخاصة في عهد "ترامب" الذي لا يهمه إلا جمع المزيد من الأموال من خلال
الابتزاز، فبالأمس أخذ أموالا طائلة من السعودية، وغدا سيبتز قطر وسيأخذ
منها هي أيضا أموالا طائلة لحمايتها من الأشقاء!! على المملكة العربية
السعودية أن تعلم بأن قطع العلاقات مع قطر ومحاصرتها سيزيد من المخاطر
المحدقة بالمنطقة، وعليها أن تعلم بأن حلفاء العدو الصهيوني من العرب
والمسلمين لا يريدون بالمملكة خيرا، ومن هنا فإنه على المملكة أن تأخذ
حذرها، وأن تعلم بأن قطر ليست هي العدو.