![](https://elyowm.info/sites/default/files/02qpt697.jpg)
مالك التريكي
بعد يومين ينقضي نصف قرن على بداية حرب يونيو/حزيران 1967 التي نجحت إسرائيل بفضلها في إعادة صياغة معادلة الصراع وفق شروط جديدة لا تزال سائدة إلى اليوم: أي إيقاع العرب في الفخ التاريخي المتمثل في تسخير جميع الجهود من أجل المطالبة باستعادة الأراضي التي احتلت عام 1967 مع ما يعنيه ذلك، بصفة شبه آلية، من الاعتراف بدولة إسرائيل ونسيان معظم فلسطين التي أخضعت للاحتلال الكولونيالي عام.1948 ذلك هو النصر الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل ولا تزال تستثمره منذ نصف قرن: حمل العرب على إسقاط القضية الجوهرية التي هي أصل الصراع، أي بث اليأس في نفوسهم من مجرد التفكير في المطالبة بكامل فلسطين التاريخية.
بدأت إسرائيل هجومها الكاسح يوم 5 يونيو/حزيران. ولكن من الباحثين من يؤرخ للبداية الحقيقية للحرب بتوقيع معاهدة الدفاع المشترك بين مصر والأردن يوم 30 مايو/أيار 1967، يوم أن قام الملك حسين بزيارة سرية للقاهرة على متن طائرته التي كان يقودها بنفسه (بعد أشهر من الحملات الإعلامية الشرسة بين الجانبين). كما أن من الباحثين من يؤرخ للبداية الحقيقية للحرب بتوقيع معاهدة الدفاع المشترك بين مصر وسوريا يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1966. وهذا أقرب للصواب، لأن النظام السوري بقيادة صلاح جديد هو الذي قرر الدخول في مسلسل تصعيد عسكري مع إسرائيل يتجاوز قدراته، مثلما تدل على ذلك وقائع عديدة كان آخرها قيام سلاح الجو الإسرائيلي يوم 6 ابريل/نيسان 1967 بإسقاط ست طائرات سورية من طراز ميغ 21 السوفييتية الصنع.
وقد كانت حرب حزيران، في أحد وجوهها، أحد أكبر تجليات الحرب الباردة. ولذلك فإن أمريكا وروسيا والأمم المتحدة هي الأطراف الدولية التي تتحمل أكبر المسؤولية عن عدم السعي الجاد في منع هذه الحرب التي تكبدنا فيها، نحن العرب، هزيمة ساحقة يكاد لا يكون لها نظير في التاريخ العسكري المعاصر، ولو أن حذلقات الدعاية الرسمية أو حيل الوعي الايديولوجي قد زيفت الهزيمة بتسويقها على أنها مجرد نكسة. إلا أن هنالك، في سياق الخلفية الدولية لحرب حزيران، حدثا لم يوله الباحثون العرب ما يكفي من الاهتمام رغم أنه حدث هام كان له بالغ الأثر النفسي على عبد الناصر وعلى تقديراته لاحتمالات نشوب الحرب. ففي يوم 21 ابريل/نيسان 1967 قام مجموعة من الضباط اليونانيين بانقلاب عسكري في أثينا وزجوا بقادة اليسار والوسط في السجون وألغوا الانتخابات التي كانت مقررة ليوم 28 مايو/أيار. ولم تتمكن اليونان من التحرر من حكم العسكر إلا عام 1974.
قد يبدو هذا الحدث اليوناني غير ذي صلة بحرب الأيام الستة. إلا أنه قد وقع بمباركة من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كما أنه أتى بعد سلسلة تدخلات أمريكية علنية في فيتنام وسان دومنغو، وتدخلات شبه سرية في إيران وغواتيمالا وأندونيسيا وغانا ولاوس. لهذا فإن الدول الشرقية والأنظمة التقدمية رأت فيه بداية تنفيذ مرحلة جديدة في حملة الامبريالية الأمريكية، كما أن مصر ويوغسلافيا، تحديدا، قد شعرتا بالخطر. واعتبرت مصر أن هذا الانقلاب يندرج في إطار الاستراتيجية الأمريكية في منطقة المتوسط، خصوصا أن الخبراء في واشنطن أخذوا يعربون عن القلق من تصاعد المد اليساري في سوريا ومن توسع الوجود العسكري السوفييتي من اللاذقية إلى الإسكندرية.
بل إن عبد الناصر قد رأى في الانقلاب العسكري اليوناني بداية لهجوم أمريكي مضاد على الشيوعية في المتوسط سيكون هو شخصيا ونظامه أهم أهدافه.
ويذكر الصحافي المصري الفرنسي الراحل اريك رولو أنه قد وزعت على مسؤولي الاتحاد الاشتراكي آنذاك وثيقة سرية تتضمن توقعات بأن يكون الهدف الثاني للأمريكيين بعد أثينا هو الحكومة القبرصية بقيادة المطران ماكاريوس، وأن الأمريكيين سيحاولون تعويضها بحكومة تابعة لهم لتعزيز موقعهم في شرق المتوسط، وأنهم سيستهدفون بعد ذلك النظام السوري الذي وصف بأنه «الحلقة الأضعف في الأنظمة التقدمية العربية، بسبب عزلته وعدم نجاحه في ترسيخ قواعده الشعبية». أما الغاية القصوى للأمريكيين، حسب الوثيقة، فهو النظام الناصري. ولهذا بدأت، منذ انقلاب أثينا، تظهر علامات العصبية في كثير من تصريحات عبد الناصر. ولعل هذه العصبية أثرت في قدرته على تقدير المواقف المتسارعة.
٭ كاتب تونسي