أرأي دستوري أم وحي؟

اثنين, 05/22/2017 - 13:24

 محمدٌ ولد إشدو
قرأت واستمعت بانتباه إلى تسجيل ظهر فيه أستاذ القانون الدستوري الأستاذ محمد الأمين ولد داهي يرد بصفته خبيرا في القانون الدستوري على أسئلة صحفي لامع من قناة "المرابطون" حول مصير التعديلات الدستورية المقترحة من طرف الحكومة والتي نالت إجماع رأي
 عام وطني واسع، وثقة وتأييد مجلس النواب بأغلبية كبيرة بلغت 111 نائبا، ثم رفضتها أغلبية في مجلس الشيوخ بلغت 33 شيخا. وقد استوقفني وفاجأني خلط الأستاذ الخبير في القانون الدستوري وأحد محرري دستور 20 يوليو 1991  بين رأي القانون الدستوري كعلم، ورأيه الشخصي كسياسي من محيط مناوئ لتلك التعديلات وللنظام السياسي الذي يقودها.
وقد تجلى ذلك الخلط الواضح وضوح الشمس في مسائل جوهرية ثلاث:
المسألة الأولى هي إقدام أستاذ القانون الدستوري المتبحر على سد كل الأبواب والنوافذ الدستورية والقانونية في وجه التعديلات المقترحة، وحشرها في ترتيبات المواد 99، 100، 101 من الدستور التي أسقط 33 شيخا خيارها وسدوا الطريق في وجهها إلى يوم الدين. معتبرا أن "مشروع مراجعة الدستور الحالي سقط بشكل نهائي، ولا يمكن الالتفاف على الرفض الصريح وبأغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، ولم يعد بالإمكان إعادة نفس مشروع التعديل بأي طريقة".
أما المادة 38 من الدستور التي تنص على أن "لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية" فقد كادت - في رأي الأستاذ- أن لا تكون من الدستور؛ أو على الأقل، هي منه ولكن لا يمكن استخدامها في هذا المجال من طرف رئيس الجمهورية الذي سنت لتشريع بعض صلاحياته "لأنها وردت في باب صلاحيات السلطة التنفيذية"! وقد أكد الخبير على أهمية وقدسية الدستور.
إن ما أثار انتباهي هنا ليس فقط إفراغ المادة 38 من محتواها وإنكارها غير المقنع أو المؤسس في غير المسائل العادية، رغم صراحة نصها؛ بل هو إغلاق هذا الخبير الدستوري لكافة الطرق والمسارات الدستورية في وجه تعديل يعارضه قطبه السياسي برفض 33 شيخا، ثم تأكيده على قدسية الدساتير وهو الذي أحل بالأمس القريب انتهاك نفس الدستور وإلغاء جميع ترتيباته المتعلقة بالحريات بواسطة إلحاق مادة به لا علاقة له بها، ولم ترد في مشروعه، ولم يصوت عليها الشعب؛ وهي المادة 104 سيئة الذكر! ترى أيهما أولى: إعمال مادة دستورية صريحة وأصيلة، أم إضافة مادة دعية إلى الدستور؟
المسألة الثانية هي البساطة التي برر بها الأستاذ رأيه السياسي بوجوب استقالة رئيس الجمهورية والحكومة باعتبارهم مسؤولين عن هذا الفشل الذريع و"الفراغ الدستوري الخطير" وإجراء انتخابات جديدة واختيار رئيس جديد لعل وعسى.. مستندا في ذلك إلى سابقتين هما استقالة الجنرال ديغول سنة 1968 واستقالة الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1967.
إن أخطر ما في الأمر أن الذين لا يعلمون عندما يسمعون هذا الرأي من خبير وعالم دستوري سيصدقونه، ويظنون أن القانون الدستوري ينص ويفرض - في حالة تصويت 33 شيخا ضد إرادة ومصلحة أمة- أن يستقيل الرئيس والحكومة ويتوقف المسار! ولكن الذين يعلمون سيذكرون الأستاذ ويشرحون للناس أن السابقتين اللتين ذكرهما يمثلان من جهة قياسا مع وجود فارق، والقياس مع وجود فارق لا عبرة به. فالجنرال ديغول لم يستقل لأن أغلبية من الشيوخ عارضت إصلاحاته؛ بل استقال في أعقاب ثورة شعبية تطالب بتغيير وإصلاحات واسعة قصر عنها  مشروعه الذي قدمه لاستفتاء شعبي فرفضه الشعب الفرنسي. وأما الرئيس جمال عبد الناصر فقد منيت بلاده - بسبب خيانات داخلية وخارجية- بهزيمة مروعة هي أفظع بكثير من تصويت أغلبية مجلس الشيوخ. ومن جهة أخرى فإن استقالتهما كانت استقالة أدبية وتحملا منهما لمسؤوليتين جسيمتين: رفض الشعب في استفتاء عام بخصوص ديغول، وهزيمة مصر في حرب مدمرة بخصوص جمال. ولم تكن توجد إطلاقا في دستوري فرنسا أو مصر مادة توجب استقالة أي منهما.
المسألة الثالثة لقد استغربت كثيرا سرعة انزلاق الخبير الدستوري ورجل القانون المتبحر من محاولة تأصيل رأيه القانوني في المادة الدستورية، إلى الدعوة البواح إلى "حوار جديد شامل"  وهو الشعار السياسي الذي يرفعه ويروجه فريقه السياسي الذي لا يحاور أبدا، كلما طمحنا لمجد! فدعوة الأستاذ المباشرة والمفاجئة إلى الحوار الشامل بصفته المخرج الوحيد من الأزمة التي لا مخرج منها؛ ستجعل - لا محالة- جل المتعطشين إلى رأي القانون في هذا الحدث الذي تعيشه بلادهم ينتبهون بسرعة ويربطون بين الرأي القانوني والرأي السياسي الذي سمعوا جعجعته طويلا وما رأوا طحينا.
فهل من المنطقي أو المعقول أن يظل شعبنا الحاذق الذكي ينتظر "غودو" إلى ما لا نهاية؟

 

الفيديو

تابعونا على الفيس