محمد عبد الحكم دياب
بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشد الرحال إلى الرياض في محطته الأولى لرحلته التي بدأت أمس (الجمعة) إلى الشرق الأوسط؛ انفجرت قنبلة نقل معلومات سرية إلى روسيا حول تنظيم «داعش»، وكان مصدر المعلومات قد اشترط عدم الإفشاء بها لموسكو، وكان الخبر في صدارة نشرات يوم الأربعاء الماضي بهيئة البث البريطانية (بي بي سي)، وغطت على معارك الانتخابات البريطانية المقررة في الثامن من الشهر القادم.
من جانبها نفت السلطات الروسية حدوث ذلك؛ وسخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقول أن وزير خارجيته سيرجي لافروف «لم يشاركنا تلك الأسرار، ولم يبلغ بها وكالات الاستخبارات الروسية، لقد فعل بذلك شيئا سيئا»!!، وأبدى استعداده لتقديم محضر لقاء الرئيس الأمريكي إلى الكونغرس الأمريكي أو مجلس الشيوخ «إذا تسلمت روسيا طلبا بذلك»!!.
وذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» أن المعلومات حصلت عليها الإدارة الأمريكية عن طريق أحد المتعاونين معها؛ الذي اشترط عدم إفشائها إلى روسيا، واجتمع الرئيس الأمريكي بوزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف»، وسفيره بواشنطن؛ سيرغي كيسلياك، في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، في وقت تجري فيه تحقيقات مكتب التحقيقات الاتحادي (الفيدرالي)، وتنعقد فيه جلسات استماع في الكونغرس عن مدى تأثير موسكو على انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة وفوز ترامب. وكان جهاز «الموساد» قد حصل على تفاصيل خطة تنظيم «داعش» لتفجير طائرات ركاب مدنية في أوروبا والولايات المتحدة. وعادة يقوم جهاز المخابرات الصهيوني بإبلاغ الرئيس الأمريكي بهذه المعلومات، والتوصية المشددة بعدم البوح بها أو الإعلان عنها حتى لا يضار مصدرها.. وتباهى الرئيس الأمريكي بما لديه من معلومات في اجتماعه مع وزير خارجية روسيا أثناء لقائهما بالبيت الأبيض
ودافع الرئيس الأمريكي عن «حقه المطلق» في تبادل المعلومات مع روسيا، ووصف التقارير الصحافية بأنها «كاذبة».. وما قام به قانوني، باعتباره رئيسا للولايات المتحدة يتمتع بسلطة كشف أي معلومات سرية تتعلق بالإرهاب وسلامة خطوط الطيران، وأنه أراد بعمله حفز روسيا لترفع من وتيرة قتال «داعش». ودفاع ترامب عن نفسه لم يَحُل دون الانتقادات الشديدة التي وُجهت إليه من قِبَل أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، الذين طالبوا الجمهوريين تقديم تفسير لذلك..
وهذه قنبلة لم تكن في صالح زيارة علق عليها ترامب آماله الكبيرة لتعويض إخفاقاته الداخلية، ولفرصته في عقد «صفقة القرن» كما وصفتها أوساط قريبة من البيت الأبيض. وبسبب هذه القنبلة تحولت «الصفقة» إلى «صفعة»، ولم يكن بدء الزيارة بالرياض وتل أبيب صدفة، وكتب الصحافي الصهيوني «أورلي أزولاي» في يديعوت أحرونوت ( 17/5/2017) أنها «صفقة سلام»؛ استوجب طبخها قبول ترامب ببعض ما نصت عليه «المبادرة العربية» وهي أصلا «مبادرة سعودية» أقرتها قمة بيروت العربية 2002، ويستهدف الحصول على التزام الرياض بالتطبيع والعلاقات الدبلوماسية المباشرة مع تل أبيب، وعلى تأسيس تجمع «دول سنية» لمواجهة «داعش»، وإيران، ويستعيد من الرياض مكانته المهتزة كزعيم لـ «العالم الحر»..
وتحصل الرياض على ضمانات بوقوف الإدارة الأمريكية ضد إيران والإطاحة ببشار الأسد، بجانب الدعم الأمريكي القوي في الحرب الدائرة بينها وبين اليمن، وعلى السعي الخليجي لوضع الجماعات والأحزاب المرتبطة بإيران على «قوائم الإرهاب».
والوضع الداخلي المضعضع للإدارة الأمريكية أضعف ما استهدفته الزيارة؛ إدعاء واشنطن بالوقوف مع حلفائها المقربين في منطقة الشرق الأوسط؛ وإن كانت تقف مع الصهاينة بلا تحفظ، فهي تبتز العرب والمسلمين وتحرضهم على قتل بعضهم البضع، وتتظاهر بعكس ذلك، ومن المتوقع أن يطلب ترامب «لجم» البناء في المناطق المحتلة وطلب المرونة تجاه الفلسطينيين. وهو ما أشارت إليه يديعرت احرونوت، وأشارت إلى إمكانية تنكر ترامب لوعده بنقل السفارة الامريكية إلى القدس، «وعلى الاقل ليس فورا» بنص ما ورد في تقرير الصحيفة، التي ربطت يين «مناورة» إبعاد دبلوماسيين امريكيين يوم الاثنين الماضي لموظفين صهاينة حضروا للاعداد لزيارة ترامب لحائط البراق (المبكى)، ورفضوا مرافقة اي مسؤول (اسرائيلي) لترامب في زيارته.
معنى هذا أن «الصديق الاكبر» سيصل إلى القدس في غياب اللاعبين في «مسرحية الشرق الاوسط» كما كتب «أورلي أزولاي»، وكل ما يمكن قوله هو ضرب الرؤوس ببعضها، ووصف ذلك بأنه أشبه بمسرح عبث «سلام شامل، فترامب أتى إلى حارتنا ولا يأتي لاحتلال القلوب بل انجاز صفقة كبيرة مثل أي رجل اعمال متحمس لقص الشريط.. لعل هذا هو السبيل»..
ويثبت ترامب أنه الرئيس الأفشل والأضعف في تاريخ الولايات المتحدة، ولا يستطيع تحقيق شيئ، إلا ضد الضعفاء والأراضي المستباحة كما هو حال «القارة العربية»، وليس أمامه إلا المشروع الصهيوني؛ يروجه ويعيد تسويقه للعرب والمسلمين، وليس لديه غير الفتن الطائفية والتحريض المذهبي، وهي أسلحة ماضية في الاجهاز على ما تبقى من «القارة العربية» وإفراغها من سكانها، وتجييش دول عربية وإسلامية لتواجه دولا عربية وإسلامية أخرى، وأضحى «الاعتدال» جامعا للعرب والصهاينة، ويخلط «التطرف» إيران بالجهاد الإسلامي ومعهما حماس وداعش. ومن المرجح أنه يعد لحرب ضد إيران، ويعيق الحل السياسي في سوريا، وهو ما قبلت به دول عربية وإسلامية عدة!!..
هذا وجه سياسي من أوجه «صفقة القرن» أما وجهها المالي فقد أعد ترامب له عدته. وهو يريد من «أصدقائه العرب» أن يشاركوه في صفقته للسلام وفي كل الصفقات بشكل عام.. وعليهم أن يدفعوا ما يطلبه، أما المشروع الصهيوني فله كل ما يطلب ويحتاج.
وتتحول «الصفقة» إلى «صفعة»؛ يواجه فيها ترامب أسوأ وأصعب أزماته، ولا تعود أزماته إلى انعدام الخبرة وضحالة الكفاءة السياسية، وإنما ترجع إلى عجزه عن الثبات على موقف أو الالتزام باتفاق مكتوب أو غير مكتوب، وجاء للمنطقة مجردا من أي قوة، واستمراره في منصبه غير مضمون، وترجيح عزله وارد.
على أصدقاء أمريكا ومؤيديها التريث كي لا يلدغوا من نفس الجحر الذي لدغ منه أسلافهم قبل أكثر من مئة عام، والظروف التي سبقت اتفاق سايكس - بيكو ومهدت لوعد بلفور وضياع فلسطين.. وكانت الحجج وقتها هي وجود الاحتلال المباشر أو الوقوع تحت الانتداب، ولا يجب أن يتكرر، وبدلا من أن يأتي ترامب وينشئ لهم تجمعا يحارب نيابة عنه، فالأسلم هو أن يتضافر العرب والمسلمون ويحقنوا دماءهم ويتصالحوا مع أنفسهم.. ويكونوا مواطنين، فالمواطنة تساوي بين الجميع وتقضي على الشرذمة والتمييز. ووقتها ستحل روح جديدة تعرف القرب من الشقيق والصديق ونتعاون معه وننأى بأنفسنا بعيدا عن الخصم والعدو وتتجنبه.