العلامة عبد الله بن بيه ؛ من الصحراء إلى العلياء

جمعة, 05/19/2017 - 14:36

 حمزه ولد محفوظ المبارك

من الصحراء و بوسائل مادية شحيحة انطلق العلامة عبد الله بن بيه بثراء معرفة و سعة صدر و رجاحة عقل و ثبات على الحق و صبر و تحمل و رحمة ...

العلامة عبد الله بن بيه اليوم و بفضل من الله يعد من أكبر الشخصيات الإسلامية المؤثرة على وجه المعمورة برسالة السلم التي يتكئ فيها على زاد معرفي قل نظيره عبر العصور و استحال بلوغه إلا لقلة من نوادر العلماء العاملين .

منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي أسسه ابن بيه قبل ثلاث سنوات كان بمثابة النور في عالم إسلامي أظلمته الفتن و أرهقته الحروب و المحن ، تداعت له مئات العقلاء من كل أنحاء العالم الإسلامي للعمل على إطفاء حريق الأمة و إنقاذ غريقها .

منذ إنشاء المنتدى و هو يقوم بخطوات علمية ، عملية ، تفكيرا و تدبيرا من أجل وقف تنازع البقاء الذي لم يؤد إلا إلى الفناء ؛ ثلاث مؤتمرات سنوية و العديد من الندوات الفكرية و البرامج الميدانية و المشاركات الدولية ، إضافة إلى إعلان مراكش الذي توسعت فيه دائرة التفكير بإشراك الأقليات الدينية  ، من أجل تصحيح المفاهيم الملتبسة عند الغير عن الإسلام بسبب شذوذ أصحاب الفهم السقيم المنفرين .

إضافة إلى تدخلات المنتدى المباشرة في مناطق النزاع و التوتر حول العالم من أجل تسوية المظالم و إحلال نعمة السلم محل لعنة الحرب .

و من الخصائص المهمة للمنتدى أنه مفتوح لكل التشكيلات الفكرية و صناع الرأي دون تمييز أو إقصاء لأي فصيل يمكن أن يلعب دورا في تحقيق العافية و السلام في المجتمعات المسلمة .

العلامة عبد الله بن بيه رغم تزاحم المناشط الدولية المتعلقة بالمنتدى و غيره ، صدرت له كتب و مؤلفات خلال السنوات الأخيرة تعالج فقه الواقع و تحتاط للمتوقع و تصف الدواء المناسب لأدواء المرحلة .

ليس العلامة ابن بيه داعية سلام فحسب بل عالم تجديد ، مجدد أخذ على عاتقه استرجاع الفهم القويم للنصوص المختطفة و إعادة صناعة الفتوى بوسائل نبيلة تجمع و لا تفرق ، تبني و لا تهدم ، تطفئ و لا تحرق ..

من "تمبدغة" في أقصى الجنوب الموريتاني بدأ الإمام سيرته العطرة ، ابتداء بالتعليم المحظري ثم الوظيفي ، قبل أن ينتقل ببراعة و جدارة و استحقاق إلى العمل الحكومي ، ليكون أول من أنشأ وزارة للتوجيه الإسلامي في البلد غير بعيد من حقبة الاستعمار الفرنسي .

تجربة سياسية محترمة و حقائب دبلوماسية مرموقة كان لها الأثر الكبير في تعامله مع الواقع و فهمه لإكراته ضبطه لمقاييس صناعة القرار و أبعاده و تداعياته و مآلاته ، و المساحة المتاحة لاشتباك الرأي بالرأي و تكييف القرارات مع الواقع ..

لقد كان لتفرغه لاحقا للحياة العليمة و تنقله بين الجامعات العريقة و المؤتمرات و الندوات و القمم العلمية البحثية و التصنيفات العاليمة دوره كذلك في تحديد معالم شخصية فريدة في عالم اليوم .

العلامة ابن بيه ؛ عالم رباني ، مؤرخ ، أديب و فيلسوف ، أخذ كل علم من أطرافه ، فجدد ، و صحح و أضاف و أسقط ما لا يصح ارتباطه بسماحة الإسلام .

إن مواقف شيخنا ابن بيه لا تدع مجالا للشك و لا الريبة في عمله الدءوب على إصلاح أحوال الأمة و ترميم ما تصدع من بنائها على يد المتطرفين و المتشددين ممن يمتهنون التفكير من أجل التكفير و التكفير من أجل التقتيل ، و ممارسة الهدم و التحييد و الاقصاء و الاجتثاث باسم الإسلام !

إن وصفه لحال الأمة على أنها ذلك الفطيم الذي يحتاج لمن يحنو عليه في حقول الشريعة قبل أن يحولها المتطرفون إلى حقول ألغام ، ليرتقي بالفهم إلى مستوى الإنقاذ من هلاك محقق ينذر به المخطوفون الذين استعبتدهم أدواتهم الرديئة فأوردتهم المهالك !

خلال الثلاث سنوات الأخيرة و مع تزايد وتيرة الاقتتال الهمجي بين المسلمين ، كثف الإمام من ظهوره مكرها في وسائل الاعلام و وسائطه و زاد من حركيته في أطراف المعمورة بحثا عن سبل إصلاح ذات البين من طرف ، و منافحا عن وسطية الإسلام و براءته من الشذوذ و انتهاك الحرمات و الأفهام السقيمة من طرف آخر ، تجلى ذلك بوضوح في كلمته الفارعة في الأمم المتحدة 2015/09/29 ، التي جاءت بعد أشهر من إطلاقه من "تورينتو" الكندية مبادرة صيف بلا حرب بحضور أكثر من 20 ألف مشارك ضمن فعاليات مؤتمر ( إحياء الروح الإسلامية ) ، لتكون اليابان إحدى أهم المحطات التي وصلها العلامة 2016 (10-15) مايو على رأس وفد إسلامي رفيع ، ثم سنغفورة 2017 (15-17) مارس ....

لقد ذاع صيت دعوته في المشرق و المغرب ، فتحت له الآفاق و انصاعت له الأدوات و الأنساق ، ازدانت به المجالس و اتسعت صدور المخالفين لما بين يديه من بضاعة لا مراء في وجاهتها و حجيتها .

بالعلامة ابن بيه يحصل الشرف لكل شريف يحب أهل الله و خاصته و يؤمن بأمة رأس مالها و أساس ثروتها دين الاسلام و أخلاق الاسلام و العقلاء من الناس ، منهجه يمثل أمل أمة في استعادة ذاتها و صفاتها و إحياء قيمها النبيلة و التي على رأسها تحقيق الأمن و السلام من الداخل و تنقية الإسلام من أدران و شوائب الفهم السقيم .

من الصحراء إلى العلياء كانت الطريق محجة بيضاء محفوفة بالمكاره ، فلا عدمنا ظله الوارف و لا حضنه الرحيم و لا جوامع الكلم التي تكشف الداء و تصف الدواء ، و لا عدمنا سعيه و مساعيه النبيلة .

الفيديو

تابعونا على الفيس