لا شك أن توفر الأمن ضرورة من ضرورات الحياة، قد تفوق في المجتمع ضرورة الغذاء والكساء، والإطعام والدواء، بل إنه لا يستساغ طعام ولا دواء ولا سقاء ولا تعليم إذا فُقد الأمن، والأمان في حقيقته ومعناه لا يكون إلا مع الإيمان، والسلم والسلام الاجتماعي والإطعام من الجوع في ماهيته لا يكون إلا مع الإسلام، والسلام والأمان قال الله - تعالى-:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام (82).
أمر مخيف حقا وخطير مهدد جدا في هذا البلد اليوم وفي ظل هذا النظام وحملاته المسعورة المسماة بحملات التعديلات الدستورية، والتي في صخبها وجلبها وخيلها ورجلها،تطالعنا وسائل الإعلام في كل يوم ويوميات المستشفيات بأنواع من الجرائم وصنوف القتل المخيفة والتي تخبر عن حالة الأمن وواقع المجتمع ومستقبل الحياة فيه، والحقيقة أن الله جل وعلا في وحيه وهدي نبيه- صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أنه حين يكثر في الحياة الجهل، ويرفع العلم، ويقل الصالحون، ويتآمر الفاسدون، وتعطل حدود الله، فحينها يكثر القتل وينتشر بين الناس، ويعم الهرج بينهم، ويكون ذلك في شكل فتن عظيمة وعامة يحار فيها الناس، ولا يقدرون على التميز والنجاة- لجهلهم ولشدة بلوى تلك الفتن يومئذ- فلا يقدرون على تمييز الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والظالم من المظلوم، وتكون عند إذ ردود الفرد والمجتمع هي التشكل في عصبيات وعرقيات وجهويات لا مطمع لها إلا في الدنيا، وأهواء النفوس وشهواتها، فيقع القتل، ولا يدري القاتل لماذا قَتَل، ولا يدري المقتول عن سبب قتله فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" رواه مسلم.
وعنه- رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ "رواه البخاري ومسلم.
عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال: الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ "رواه أحمد في" المسند" وصححه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه الشيخ الألباني في" السلسلة الصحيحة"، رقم:1682.
يقول القرطبي- رحمه الله-:" بيَّنَ هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا، أو إتباع هوى، فهو الذي أريد بقوله:" القاتل والمقتول في النار"،" انتهى." فتح الباري. "
ويقول الإمام النووي- رحمه الله-:" وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها"انتهى." شرح مسلم.
فالسعيد من جنب الفتن كما أخبر- صلى الله عليه وسلم-"إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّب الْفِتَن، إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّب الْفِتَن، إِن السَّعِيْد لَمَن جُنِّب الْفِتَن- يُرَدِّدُهَا ثَلاث مَرَّات- وَلِمَن ابْتَلَى فَصَبْر".
نشاهد ونسمع هذه الجرائم والمصائب التي أخبرنا عنها من لا ينطق عن الهوى- النبي - صلى الله عليه وسلم-:أن فيها يكثر الهَرْج قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال:" القتل" وهذا ما قد رأيناه واقعاً في حياتنا في هذه الأيام- فلقد سمعنا وقرأنا في كثير من وسائل الإعلام عن انتشار مثل هذه الظاهرة الخطيرة- ألا وهي القتل والاقتتال وسفك الدماء بدون حق، فهاهو الجار يقتل الجارُ جارَهُ لأتفه الأسباب، والزوج لزوجه والأبُ لأبنه لأنه لم يمتثل أوامره والابن أباه- والولد لأمه- وقتل المسلم أخاه المسلم على قطعة من الأرض، وربما كلمة- ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
لقد جاء الإسلام لإكرام الإنسان أيما إكرام، فلقد جعل له حرمة عظيمة، ومكانة عالية، وحرم التعرض له بأي نوع من أنواع الأذى، فقال نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم-:"كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".
فكما أنه لا يحل إيذاء المسلم في عرضه بالانتهاك والانتقاص وغير ذلك، فكذلك لا يحل سفك دمه وإهراقه بغير إذن شرعي ولا التسبب في ذلك، بل إن الحياة الإنسانية ودم المسلم من أعظم وأجل ما ينبغي أن يُصان ويُحفظ، قال القرطبي- رحمه الله-: والدماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أهبها، فلا نستبيحها إلا بأمرٍ بين لا إشكال فيه.
وتعظيماً لأمر قتل النفس بغير حق، وبياناً لشدة خطره، والتحذير منه، وتوعد من أقدم عليه، جاءت الآيات الكريمات، والأحاديث الصحيحات بالنهي عن ذلك، قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء (93) .
قال الإمام العلامة السعدي- رحمه الله-: وذكر هنا وعيد القاتل عمداً وعيداً ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وينزعج منه أولو العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجنهم بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسارة، فيا عياذاً بالله من كل سبب يُبعد عن رحمته...
وقال تعالى في وصف عباده المتقين: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} الفرقان(68-69-70). فقارن قتل النفس بغير حق بالشرك به، وذلك بياناً لعظم هذا الذنب.
وأخبر جل وعلا أن مما حرمه على عباده قتل النفس بغير حق، قال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}الأنعام 151.
وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}المائدة (32) قال ابن عباس – رضي الله عنه -: {من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}. فإحياؤها لا يقتل نفساً حرمها الله، فذاك أحيا الناس جميعاً، يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعاً. رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله الطبري وابن أبي حاتم.
وقال سعيد بن جبير: مَن استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعاً، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعاً.
وعن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: {من أ جل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس .. } الآية أهي لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: أي والذي لا إله غيره؛ كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: " أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" رواه البخاري ومسلم.
لقد أكد النبي- صلى الله عليه وسلم - في خطبته المشهورة- حرمة سفك دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فعن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال:"أي يوم هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال:" أليس ذو الحجة؟" قلنا: بلى، قال:"أتدرون أي بلد هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال:"أليس بالبلدة؟" قلنا: بلى، قال:" فإن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا، وفي شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم، قال:"اللهمّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"رواه البخاري ومسلم.
وقد جاء أيضاً من حديث ابن عباس وابن عمر في البخاري، وعند مسلم من حديث جابر.
وعن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:" اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:"الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..." رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"مَن حمل علينا السلاح فليس منا" رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة" رواه البخاري ومسلم.
ولقد نظر ابن عمر إلى الكعبة حيث الجمال والجلال والكمال والهيبة والحرمة فقال: ما أعظمك! وما أشد حرمتك، ووالله للمسلم أشد حرمة عند الله منك.
وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. رواه البخاري.
وعند البخاري- أيضاً- عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً".
وأعظم من ذلك كله ما جاء عند أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله علبه وسلم قال:"يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش". فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب ؟!!.
وعن عبد الله بن مسعود-عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذاً رأسه بيده، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه، قال: فيهوى في النار سبعين خريفاً".
ومما يخيف ويرعب من الفتن والأخبار الصادمة ما ظهر من أنواع القتل وصنوفه ومنها ما يسمى في الإعلام بالانتحار، والذي انتشر هو الآخر لأتفه الأسباب وأخطر التبريرات وأحقرها، في مجتمع مسلم تتلى فيه آيات الله وتقرأ سنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- وقد حرموا ذلك بنصوص زاجرة وأحكام قاطعة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}النساء (29- 30)
وقال- صلى الله عليه وسلم-:"من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب يوم القيامة"،رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:"من تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه يتحسَّاه في نار جهنم خالداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجيء بها في بطنه في نار جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً"، رواه البخاري ومسلم.
الحق جل وعلا يخبرنا أن الفتن أشد من القتل، لأن الفتنة في الدين هي التي تؤدي إلى جرائم القتل، ولا فتن أشد على الحياة والمجتمع من تعطيل حدود الله الرادعة الزاجرة، وانتشار ثقافة العنف، والفجور والفسوق والعصيان، وغياب قيم العدل، وثقافة البر والإحسان والأخوة والجزاء والعقاب، القيم والحدود والأحكام الشرعية الزاجرة الرادعة التي يجب أن تنصب جهود الساسة والمربين على إحيائها وإقامتها في المجتمع حماية وتحصينا لقيمه ودماء أفراده.
إن دم المسلم وانتهاك حرمته، وارتكاب جريمة القتل فتن تهدد وجود الحياة، وإن قتل المسلم بغير حق، لهو أشنع أنواع الظلم وأبشع صور الفساد في الأرض، وهو اعتداء على المجتمع كله، وسفك دم الأبرياء هو أعظم جالب لسخط الله عز وجل على الفاعل والساكت على حد سواء، والمسلم في سعة ما لم يصب دما حراما، فإذا ما أصاب دماً حراماً فقد ضيَّق على نفسه في الدنيا والآخرة.
ألا هل من معتبر ومتعظ من عذاب الله وسخطه الذي نزل بشعوب ودول كانت آمنة وفي رخاء، حيث فُقد فيها الأمن والأمان بسبب الظلم وسفك الدماء وعدم الأخذ على يد الظالم وتعطيل حدود الله، فسُفكت الدماء البريئة، وهُتكت الأعراض المصونة، واقتُحمت المنازل، وبُقرت بطون الحوامل، وقُتلت الأطفال، وحصل السلب والنهب، والفرقة والاختلاف، والخوف والاضطراب، بعد أن كانوا إخوة آمنين، مقبلين على ربهم، معافين في أهليهم وأبدانهم، فحلَّ بهم ما حلَّ بسبب سفك الدماء، واستطالة المسلم على عرض أخيه المسلم.