عباس أبراهام
-------------------
في أواخِر يونيو الماضي أوقَفت السلطات الموريتاني لقاءً عمومياً لي مع بعض الشباب في "ملتقى نواكشوط". وأنا لست مهماً، كما كان يقول القيلسوف بـ"ليسى ناسيونال". ولكن بعد حواليْ شهر كنتُ حاضِراً عندما مُنِع البروفسير عبد الودود ولد الشيخ، أهم أكاديميي البلد إطلاقاً، من إلقاء محاضرة في حيّز عام في فندق وصال. وقد اضطررنا إلى الإرتحال إلى فضاء خصوصي لإلقاء/تلقي المحاضرة. وقد تزامنت عمليات القمع هذه مع خنقِ الحريات العمومية في نواكشوط إبّان انعقاد القمة العربية فيه في أواخر يوليو وقد طالت هذه الإجراءات منع الأكاديميين والنشطاء من القدوم إلى موريتانيا بمن فيهم طارق رمضان في منتصف يوليو. بل وصلت هذه الممارسات حتى إلى قمع مسيرة مؤيِّدة للنظام بُعيد انتهاء القِمّة.
لقد اختارَ المُنظِّمون لهذه التظاهرات، لعدة أسباب بعضها سياسي وبعضها إنساني وبعضُها يخصُّهم، عدم الاحتجاج العلني على هذا القمع. وهذا مُتفهّمٌ وعادي. وكان أحياناً نبيلاً حتّى. ما ليس عادِياً هو أن تغيب هذه الأحداث، خصوصاً أنها تتعلّق بممارسة نسقية، من جرد مراصد حقوق الإنسان. فمراصِد حقوق الإنسان عندنا- إضافةً إلى ما يمكن به نقدُها من أوجه أخرى ليس أقلّها لغتها وطريقة مهنيتها- لا ترى انتهاكاً للحقوق إلاّ ما وصلَ للإعلام. أما ما لم يُغطَّ فلا غمط فيه. وبهذا المعنى فهي ليست غير مراجعات سنوية للإعلام.
ومن نافِل القول إن جلّ المراصد الحقيقية لا تكتفي بمجرّد نقل الأخبار؛ بل تستبِقُها بالتتبع والاستقصاء. فقد عملتُ مُراجِعاً سنوياً لخمس سنوات لـ"غلوبال إنتغريتي" (Global Integrity) التي كانت تُعدُّ تقريراً ميدانياً عن الفساد في موريتانيا. وكان فريقُها الميداني يقومُ بتحقيق مدّة أشهر يُقابل فيها المسؤولين والمعارضين جيئةً وذهاباً ويُقابِلَ الادلّة ويكشف المستور. بعدَ ذلك تُعطي للمراجِعين فرصة المتابعة. نحن المراجِعون هم من كُنا نستنِدُ على الإعلام في الجرح والتعديل والتشديد والتلطيف والنقض والتعضيد. عملنا كان مكتبياً وحاسوبياً وغوغلياً وكان جيزاً ومُقارِناً، وحتّى سخيفاً. ولهذا السبب بالذات فإنه يُذكِّرُني بعمل "المراصد الحقوقية".