رولا زين
صفقوا في الايليزيه وربمارقصوا فرحاً، هولاند ورفاقه، بعد إعلان اسم الرئيس الجديد لفرنسا الساعة الثامنة مسا، ايمانويل ماكرون، المستشار السابق للرئيس ووزير الاقتصاد في الحكومة الإشتراكية.
ماجرى في فرنسا في الأشهر الماضية لإيصال ماكرون ،رغماً عن أنف الفرنسيين، وأقولها دون مبالغة، إلى قصر الايليزيه، أشبه بفيلم خيالي أو خارق للطبيعة بكل ما تعنيه الكلمة.
فمن كان يتصور إمكانية وصول شاب لم يبلغ الأربعين من عمره، لا حزب يدعمه ولا مؤيدين وراءه، لم ينتخب في حياته لا في بلدية أو محافظة، كما جرت العادة لباقي الرؤساء، زعيماً لفرنسا وبنسبة تفوق الخمس وستين في المائة لم يعلن حتى عن برنامج إنتخابي إلاأواخر فبراير؟
هل يعقل أنه لا يوجد في فرنسا رجال ونساء يمكنهم الترشح وإدارة البلاد وقد راينا بين المرشحين الأحد عشر، رجالاً يملكون خبرة ورؤيا لمستقبل فرنسا والعالم لكن افتقارهم للآلية الحزبية والقوة الإعلامية منعتهم من الصدارة؟
منذ أن قرر فرانسوا هولاند عدم الترشح، ونصحه المقربون بعدم خوض معركة خاسرة ،خشية المهزلة، وبما أن استطلاعات الرأي منحته ثمانية بالمائة من الأصوات المؤيدة فقط، وبما أن مرشح اليسار الإشتراكي بونوا هامون، تراجع إلى ستة بالمائة قبيل الدورة الأولى، كانت الطريق معبدة لفوز مرشح اليمين الأبرز فرانسوا فيون، الذي قدم أفضل برنامج اقتصادي واجتماعي لفرنسا باعتراف الآلة الإعلامية ذاتها التي حطمته بشكل ممنهج في مرحلة ثانية، لمنع اليمين التقليدي من تبوء سدة الحكم وبالتالي فتح الطريق لمرشح الميديا المدلل صاحب الابتسامة الشابة ايمانويل ماكرون، والمصرفي السابق في مصرف روتشيلد .ليبقى وحده في الميدان في مواجهة لوبن وهكذا يضمن حتمية الفوز.
ماكرون هو أنا، هذا ما قاله فرانسوا هولاند في كتاب صدر مؤخراً، وهذا ما يفسر الفرحة المرسومة على وجوه جميع أفراد الحكومة الإشتراكية الليلة الماضية في حلقات النقاش التي تلت إعلان النتائج على شاشات التلفزيون الرسمية والخاصة.
فيما كانت أصوات اليمين التقليدي أتباع فيون وساركوزي وما بقي من الديغولية المتهاوية في هذا البلد، تنذر وتحذر الصف المقابل أي الإشتراكيين ورئيسهم، من الغلو والتعالي وتناسي أن النسبة التي حققها ماكرون ليست تصويتا ً مؤيداً له من أتباعهم وإنما انضماماً مجبراً لقطع الطريق على ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبن.
وهنا صلب الموضوع ، فقد شهدنا هذا السيناريو عام 2002 عندما وصل والد مارين مؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري، إلى الدورة الأولى ضد منافسه جاك شيرا، ودعا الحزب الإشتراكي مؤيديه إلي تصويت “جمهوري “لصالح اليمين ومرشحه جاك شيراك لقطع الطريق على الأفكار الفاشية والعنصرية. لكن هذا الحزب تغير وتطور، فبعد أن أعلنت القطيعة مع والدها، كسبت مارين لوبن ثلاثة ملايين صوت بين الدورتين الرئاسيتين أي خلال خمسة عشر يوماً وعلى الرغم من سوء أدائها في المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي سبقت التصويت النهائي، فإنها باتت تمثل القوة المعارضة الأبرز في وجه الرئيس الجديد، وأفكارها الداعية إلى سيادة واستقلالية فرنسا عن الناتو وعن أوروبا وأمريكا واليورو، طغت على مناداتها بطرد المهاجرين والكراهية ضد الإسلام والمسلمين، براي المحللين، وأصبح فكرها واقعا ً وحقيقة في الرأي العام الفرنسي، وقدأثبتت السنوات تجذره في الأرياف وصفوف القوى العاملة والطبقات الفقيرة وحتى في صفوف اليمين التقليدي. ولن تتمكن أي جهة حزبية في الإنتخابات الرئاسية القادمة من الأحزاب التقليدية، التلويح بشبح الجبهة الوطنية لكسب الإنتخابات لأن الناخب الفرنسي لن يمتثل لتعليمات القيادة الحزبية بعد الآن.
وفي هذا الإطار يجب الإعتراف بأن جان لوك ميلانشون ممثل أقصى اليسار، لم ينصح مؤيديه بالتصويت لايمانويل ماكرون ضد مارين لوبن وامتنع عن إملاء اسم مرشحه للرئاسة فكيف له أن يختار بين يمين فاشي وفاشية ليبرالية ؟
وكان في ذلك الأصدق بين المرشحين، مع نفسه وأفكاره، فيما يظهر الآخرون، اليوم بمظهر حرج وانتهازي تحضيراً للإنتخابات التشريعية في الحادي عشر من يونيو المقبل ، وهاهم بعد أن لوحوا بخطر الجبهة الوطنية ونادوا إلى التصويت بزخم، للمرشح ماكرون ينذرون ويتوعدون الرئيس المنتخب مذكرين بأن فوزه “كذبة” ولا يمثل حقيقة الأصوات الفرنسية.
وماذا سيفعل الرئيس الجديد في الملفات التي تهم عالمنا؟
هي الإستمرارية، أي كما سيقول العم سام ستكون فرنسا، كان لافتاً في احتفال
ساحة اللوفر أن يضع ماكرون يده على قلبه وهو ينشد المارسييز النشيد الوطني كما هي العادة في أمريكا، تقليد غير معتمد هنا، وهو سيلتزم بالوحدة الأوروبية وقرارات بروكسل، فقد تقدم في الحفل نحو مؤيديه نعلى موسيقا سمفونية بتهوفين التاسعة، التي أصبحت النشيد الأوروبي، وليس غريبا ً أن يكون اليورو قد سجل ارتفاعاً إزاء الين والدولار صباح اليوم في أعلى نسبة له منذ نوفمبر الماضي لارتياح الأسواق المالية الأوروبية لنتائج التصويت الفرنسي.
ماكرون زار لبنان وتحدث في ندوة عن إسرائيل منتقداً مكاتب المقاطعة، هو مع إنشاء “دولتين” لكنه لم يتجرأ على لفظ اسم دولة فلسطين، لن يكون بالنسبة لروسيا بوتين مختلفاً عن سياسة هولاند لن يرفع الحظر عنها كما وعدت مارين أو يمد يده لها كما قرر فيون، سيتبع وينصاع ، كما رأينا مع وزير خارجية هولاند، أما بالنسبة لسوريا فقد أعلن في تصريحات سابقة أنه من مؤيدي مثول الرئيس السوري أمام محكمة عدل دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ثم طور خطابه قليلاً وبات يتحدث عن حل سياسي للأزمة السورية، وجلوس الأطراف حول طاولة.
من أول المؤيدين لماكرون كان وزير الدفاع الحالي جان ايف لودريان قبل أن تنضم إليه كامل الحكومة الحالية، وبما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن ملف السياسة الخارجية وقرار الحرب والسلم ورموز القنبلة النووية ستكون في يده ومن صلاحياته ن عملاً بمؤسسات الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال دوغول عام 1958.
فرنسا مقبلة على فترة من عدم الإستقرار الداخلي ومستقبلها رهن نتائج الإنتخابات التشريعية المقبلة والأكثرية التي ستنبثق عنها في البرلمان.
وكما قال جان لوك ميللانشون يوم أمس إن فرنسا قلبت صفحة أسوأ رئاسة في تاريخها ، أي رئاسة هولاند، سنرى كيف ستكون رئاسة ابنه الروحي ماكرون.
كاتبة سورية ـ باريس