حرية التعبير تُلهِم النجاح

ثلاثاء, 05/09/2017 - 15:55

عبد الفتاح ولد اعبيدن

يُحكى من تاريخ العرب ما قبل الإسلام، أن رجلا مُنِعَ من جواب من أساء إليه، حيث وَضَع أحدُهم يده على فمه، لكن لما رفعها بعد بُرهة تبين أن من مُنِعَ من الرد فارق الحياة.

هذه الواقعة تُعبِّرُ عن مدى حرص الإنسان أحيانًا على إبلاغ رأيه بحرية.

حرية التعبير متنوعة، ومن أكثرها تميزًا في عالمنا الراهن، حرية الصحافة، التي أضحت من أبرز مقاييس الديمقراطية وتحرر الشعوب.

حرية التعبير عندما تحكُمُها المعايير المهنية والأخلاقية، تصبح بالدرجة الأولى صمّامًا وضمانًا لتكريس الكرامة الإنسانية والتوازن بين مختلف مكونات المجتمع، ولا غرابة إن ظهرت العبقرية في المجتمعات الحرة، فهي مُلهِمُها ودافعها للبروز والتعزز.

إن المجتمعات التي تُعاني من غياب حرية التعبير مجتمعات مكبوتة وخائفة وضعيفة على وجه العموم.

وبالملاحظة ظلّت بعض الدوّل في عالمنا المعاصر، التي تُشرِّع حرية التعبير وتُكرِّسها، أكثر استقرارًا وازدهارًا وتقدمًا.

ولقد تجسّدت حرية التعبير في أنماط متنوعة، ضمن الدولة الديمقراطية المعاصرة، من صحافة حُرّة، وأحزاب سياسية وجمعيات غير حكومية وغيرها من منابر حرية التعبير، فاتحة المجال لمختلف شرائح المجتمع للتعبير الحر.

وسيكونُ هذا التعبير الحر أكثر نفعًا دائمًا عندما يلتزم بالشرط الأخلاقي، فحسب بعض القواعد الأخلاقية الداعية للاحترام المتبادل، حريّتُكَ تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

وفى ظل حرية التعبير نَمَتْ حركة التأليف والنشر والإبداع المتنوع، فأصبَحَتْ عاملا أسياسيًا لتفتيق العبقرية وسقي شجرة النجاح والتنمية.

ومن أجل حرية التعبير دخل جيش عرمرم من الأحرار والشرفاء السجون والمعاناة العريضة، بل والموت أحيانًا، حرصًا وتَمَسُّكًا بموقفٍ أو رأيٍ.

فحرية التعبير في حالات كثيرة، ذات أثمان باهظة مُكلفة، وقد لا تترسّخُ وتستقرُّ في بيئات معينة إلا بعد الكثير من التضحيات والصبر الأسطوري.

وفي هذا المعنى يُستحسنُ الاستشهاد بقول الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارا    تَعِبَتْ في مُرادِها الأجسامُ

الشعوب التواقة لحرية التعبير، مسكونة بالكرامة والعبقرية، وحريّتُها ضمانُ تميُّزها وصعودها.

إن الأمل في تربية الأجيال ورعاية المجتمعات بصورة نموذجية دون حرية التعبير، مشروع فارغ لا مستقبل له، وإنما تترقى العقول والنفوس عندما تحظى بالحرية والاحترام، فتطمئن وتتحركُ إبداعًا وإنجازًا وبِناءًا.

وقد لا تعني حرية التعبير الفوضى وتجاوز الحدود والحُرُمات، وإنّما من الحزم أن تُحَفَّ هذه الحرية بأخلاقياتٍ وضوابط تمنع الميوعة والإضرار.

وفي مثل هذه الأجواء من الحرية المسؤولة المتوازنة سيتأكدُ دور وإسهام حرية التعبير في تحقيق الكرامة الإنسانية والسعادة الشاملة.

ورغم ما تجلبه حرية التعبير من منافع جمة، ورغم ضرورة استخدامها فقط في الأوجه الإيجابية النافعة، إلا أنها لم تسلم من بعض الاستخدامات المُغرِضَة، بالسبِّ أو التجريح أو إثارة الفتن، مما يدعو للحث على ضرورة استغلالها فيما يبني ولا يهدم.

وإذا كانت حرية الصحافة من أهم صنوف وتجليات حرية التعبير، فقد استطاعتْ كشف الكثير من الفضائح المُضِرّة بالدولة والمجتمع، وتقديم الكثير من النصائح في كل مجال، وظلّتْ باستمرار منبر من لا منبر له، حريصة على عدم تغييب الرأيِ الآخر.

باعتبار أن الرأي الرسمي المُتَغَلب قادر على إبلاغ نفسه، بحُكمِ وسائل مُعتنِقيه.

لكنّ هذه الصحافة الحرة لم تسلم من العقاب والتضييق المتنوع، وأقلُّه حرمان أصحاب الصوت الحر من المنافع والدعم.

وكما يُقالُ في المثل العربي، قطعُ الأعناقِ ولا قطعُ الأرزاق.

فما أشدَّ التضييق المعيشي والإقصاء من دائرة المنفعة والثروة العمومية، بحجة أن فلانًا أو علانًا لا يتماشى مع الأغلبية فيما ترى.

تلك مَظلمة بيِّنة غائرة، يُعاني منها الكثيرُ من حَمَلَةِ مِشعل حرية التعبير، سواءًا كانوا صحافة أو في ميدانٍ آخر من ميادين وساحات حرية التعبير.

الفيديو

تابعونا على الفيس