الحدود القانونية للتعديلات الدستورية المقترحة / أحمد سالم ولد أشريف أحمد

أربعاء, 04/26/2017 - 18:21

يجب أن يبقى النص الدستوري نصا قابل للتعديل كلما دعت حاجة المجتمع إلى ذالك حسب ما تمليه ظروف الطبقة السياسية، ومراكز النفوذ داخل المجتمع، لذالك فمن الطبيعي أن يثير موضوع التعديلات الدستورية صراعات داخل الساحة السياسية الوطنية وبين بعض مراكز النفوذ وصنع القرار، وحتى بين هيئات السلطة نفسها،

 

 إلا أن هذه النقاشات يجب أن تبقى داخل مجال المسموح به قانونا طالما أنها تخرج من طرف هيئات ــ (أحزاب سياسية، برلمانيين، مجتمع مدني، شخصيات عامة.....) ــ رضيت بقواعد اللعبة الديمقراطية وتعمل من داخل شرعية النظام القائم:  (مؤسسات وسلط دستور 1991 المعدل)، وبالتالي فإن ضوابط هذا الجدل وأي نقاش حول هذه القضية هي القواعد الدستورية الضابطة لمسطرة التعديل وكذا من يحق له اللجوء إليه، ثم لاحقا التأويل الدستوري في حالة ما إذا لم تقدم النصوص الدستورية حلا واضحا، وهو أمر وارد إذ أن الدستور مجرد قواعد تحدد المبادئ العامة وليس الحقوق العميقة والجوهرية، وهو ما ينتج عنه دائما فجوة بين النص الدستوري ومحيطه الخارجي وهنا يأتي دور سلطة التأويل من أجل التقريب بين الدستور ومحيطه الخارجي.

وإذا كانت الديمقراطية المباشرة هي الأصل فإنه في ظل تعذر تطبيقها ظلت الديمقراطيات النيابية تعلي من شأنها وتعتبرها المرجع، وبناء عليه لا يخلو دستور من الإحالة إلى أهم مبدإ من مبادئ  الديمقراطية المباشرة ألا وهو: أن الحكم للشعب وهو مصدر كل السلطات. ومالك السيادة الوطنية التي يمارسها من خلال ممثليه المنتخبين، أو بالرجوع إليه بواسطة الاستفتاء، وهذا ما نص عليه الدستور الموريتاني في مادته الثانية (الشعب هو مصدر كل السلطة. السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء).

وبالرجوع إلى المادة أعلاه من الدستور الموريتاني الفقرة الأولى نجد أن: "الشعب هو مصدر كل السلطة"، ثم لاحقا وفي نفس المادة أن "السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق الاستفتاء" وهو ما يعني وجود قنوات دستورية لتدبير الاختلاف بين ممثلي الشعب المنتخبين ــ في حال وقوعه ــ وذالك الرجوع إلى صاحب السلطة  الأصل: (الشعب) عن طريق الاستفتاء ــ والذي هو لب الديمقراطيات في النظم الجمهورية ــ وذالك من خلال:

 

أولا: رئيس الجمهورية بوصفه ممثلا للشعب ومنتخبا بصفة مباشرة

 

ثانيا: البرلمان باعتباره هيئة ممثلة ومنتخبة انتخابا مباشرا "الجمعية الوطنية"، أو غير مباشرة "مجلس الشيوخ".

وفوق كل هذا تبقى الكلمة النهائية والكلمة الفصل والشرعية النهائية بيد الشعب صاحب السلطة والسيادة الذي يمارسها بواسطة استفتاء، وكما أن الشعب منح ممثليه حق ممارسة السيادة فقد منحهم أيضا حق اللجوء إليه للترجيح عن تعارض وجهات النظر بين من يمثلون الشعب الرئيس من جهة والبرلمان من جهة ثانية وذالك بواسطة الاستفتاء حيث منح الدستور رئيس الجمهورية حق استشارة الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية المادة 38، ثم منح نفس الحق للبرلمان وإن بدرجة أقل حيث أفرد رئيس الجمهورية بمادة مستقلة ثم عاد و أشركه مع البرلمان في حق المبادرة لمراجعة الدستور حيث  نصت المادة 99 على أنه  "يملك كل من  رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور".

وهو ما يظهر درجة الأهمية الممنوحة لرئيس الجمهورية دستوريا في مجال الاستفتاء الشعبي، سواء كان تشريعيا أو سياسيا.

وعلى العموم تبقى جميع السلطات والأحزاب السياسية، وهيئات المجتمع المدني المعبرة عن رأي الشعب في المجال العام هي مجرد هيئات، أو كيانات، أو سلطة لا يتعدى دورها التعبير عن الشعب أو الإنابة عنه في أحسن الأحوال وهو ما يعني ضرورة عدم تضخم هذه السلطات أو الهيئات سواء كانت منتخبة أو استشارية لدرجة أن ترى في نفسها القدرة والأهلية في الحلول محل صاحب السلطة الأصيل ومصدر كل التشريعات والقوانين بما فيها الدستور لما يترتب على ذالك من خطورة على النظام الديمقراطي التمثلي ، والحالة هذه فإنه لابد من وجود جهة تكون صمام أمان ظل ضعف الحمولة القانونية ـ نظرا  للتأثر واضعي الدستور باللحظية حين وضعه ـ وضعف هيئات التأويل: (القضاء الدستوري)، وهذه الجهة لابد وأن تكون مستنتجة من داخل الدستور وهنا يأتي دور المادة 24 من الدستور التي تنص على: (رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن بوصفه حكما السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية.

.....................)

وهو أمر يظهر وبجلاء الدور التحكيمي لرئيس الجمهورية سواء من حيث تنزيل القواعد الدستورية تفسيرا أو تأويلا نظرا لدوره بوصفه حامي الدستور، كما أنه يصبح حكما إذا ما وقع خلاف بين السلطات الدستورية مع أي هيئات أخرى أو بين بعضها البعض: مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، وذالك نظرا للدور المنوط به في نفس المادة إذ يضمن بوصفه حكما السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية.

الفيديو

تابعونا على الفيس