الدولة القبيلة … و القبيلة الدولة ,,, الشيخ الحسن البمباري

ثلاثاء, 03/14/2017 - 15:48

[ إِنَّ الْأَوْطَانَ كَثِيرَةُ الْقَبَائِلِ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَسْتَحْكِمَ فِيهَا الدَّوْلَةَ ]

*****        

تغذى الجدل  السيوسيولوجي وخاصة في جزئية  علم الاجتماع السياسي المهتم  بالدراسة المتمرسة لما هو قبلي مجتمعي في مواجهة ما هو دولاتي مؤسسي و الصراع لم ينجح في حسم النقاشات الكبرى حول إلى أي مدى تطور النظام القبلي و ما هو التطور الذي دخل على نظام القبيلة في زمن بدأت أبعاد الجينالوجيا و الدم تنزاح نسبيا عن مجال تحليل الجسم القبلي  و أي دولة في مواجهة القبلية المستفحلة ؟؟

قبيلة بلا مقومات

منذ إعلان الاستقلال في الثامن و العشرين من نوفمبر أصبحت جميع القبائل رسميا بلا مجال ترابي تملكه لتعطيه و تتحكم فيه و تجعله ملكية خاصة لأعضائها,  هذا التحول فرض على القبيلة أن تكون في مواجهة مباشرة مع الدولة الوليدة التي ملكت الحق في ممارسة السلطة على ( المواطنين ) و المجال هذا التحول دفع بالقبيلة إلى الهامش نسبيا . بالرغم من احتفاظها بغالب مفاتيح المجتمع كنظام الحماية الاجتماعية و التكافل و الفدية و غيرها من مظاهر السلطة الاجتماعية ,  إلا أن هذا لا ينفي كون القبيلة قد أصبحت مجبرة على التكيف مع الواقع الجديد ( فقدان المجال و سلطة الحماية و امتلاك المأوى و الملجأ ) مما دفعها إلى المواجهة في بداية الأمر مع الرئيس المختار ولد داداه الذي اضطر إلى ممارسة الحيل المجتمعية لإقناع الزعامات القبلية بهذا التحول فكان يهدي البنادق و غيرها للقيادات  المجتمعية  سعيا للحصول على ولائهم ,  كما ذكر عنه استضافة بعض الزعامات المجتمعية و بعث مخبرين إلى أماكن سنكم لينقلوا له الأخبار يوميا و ينقلها هو بدوره إلى الزعيم كنوع من تقديم سلطة الدولة على المجال و رسالة تظهر مدى سلطته كرئيس هذا الكيان الجديد.

 التعايش الحذر

في الفترة القريبة من الاستقلال ظلت القبيلة تأخذ مسافة من الدولة قدر المستطاع , و كانت معزولة لعديد الأسباب منها المتعلق بالدولة كمنافس جديد على الولاء الشعبي و منها المتعلق بالقبيلة التي لم تكن بجميع عناصرها على صلة جيدة بالمستعمر الذي كان يصعب الفصل وقتها بينه و الدولة ,  و في أحسن الأحوال تم النظر إلى الدولة كإرث استعماري يجب التروي في التعامل معه ,  ولكن بعد الانقلابات المتلاحقة التي مرت بها الدولة بدأت حتى هيبتها كجسم مغاير تصبح أكثر تلاؤما مع الواقع المحلي ,  و أنها ليست بتلك المنعة المتصورة عنها فمع حكم الرئيس معاوية ولد سيد احمد الطائع تحولت القبيلة إلى جزء من النظام السياسي و أصبحت عبارة عن خزانات انتخابية و مؤسسة سياسية , ولكن من نوع خاص و خاصة في ما يخص التصاقها بقواعدها الشعبية و باتت جزء من المنظومة السياسية للبلاد و حجر زاوية في أي إستراتيجية سياسية و مهما كانت منطلقاتها حداثية .

الحربائية الواعية

بعد أن تعددت الانقلابات العسكرية و أصبح الاستقرار السياسي مطلبا شبه مفقود , كان لابد من واجهات للمصالح و تكتلات لها من الدينامية ما يسمح لها بالحفاظ على مصالح أعضائها مهما كان التحول و طبيعته , و بالتالي كان من الطبيعي أن تنتج الميكانزمان المجتماعية مخرجا أكثر قدرة على مواجهة التحولات العنيفة في المشهد السياسي المتقلب , و بغياب قبيلة المقومات التقليدية كان من الضروري إنتاج تجمعات مصلحية لا تعد الجينالوجيا عاملا حاسما فيها فولد ما يمكن أن يطلق عليه قبيلة المصالح التي أصبحت أكثر مرونة و حركيّة و مطاطية  للأعضاء الجدد , حيث إن ما يوحد أعضاءها هو المصلحة التي توفرها بل بات الجسم القبلي اقرب ما يكون إلى الطبقة التي تجمعها مصالح عملية و هدف معين قد تنفك بانتفاء هذه المصلحة أو بعدم تحقيقها ما هو مطلوب .

 مقارنة مخيفة

 إذا أردنا أن نقيم واقع القبيلة في المجتمع مقارنة بمجتمعات أخرى نجد أنها من أكثر أنواع القبيلة ديمقراطية (مصادرة لمفهوم الديمقراطية) من حيث أنها استطاعت التغلغل في الجسم الدولاتي و اثبتت كومبرادورية الدولة و عدم ملامستها للواقع في كثير الأحيان, و من نتائج هذا الذوبان في جسم الدولة بات طبيعيا أن يكون للقبيلة مثقفوها و نصيبها من الوظائف الحكومية و إعلامها و مهرجاناتها و حتى ممثلوها في البرلمان كما أن لها نصيب في الوزراء و السفراء إلى غير ذلك  من مظاهر المؤسسية التي استطاعت القبلية التلبس بها حتى أكثر من الدولة نفسها .

المهادنة خوفا ...

 أصبحت القبيلة مرجعية ذات بال في مختلف الميادين السياسية و الاجتماعية ليس للأدوار المسندة , إليها بل من خلال قدرتها الكبيرة على الحشد و التجييش و أخطبوطية علاقاتها داخل مفاصل الجهاز الإداري للدولة و هو ما يجعلها وجهة محببة لعديد الشباب الباحثين عن العمل و الأحزاب السياسية التي تريد نفسها مكانا في المعادلة,  فحتى الدولة نفسها تأخذ جزءا من مشروعيتها من القبيلة فلا يمكن أن نتجاهل المشاكل العقارية المحتدمة بين الدولة كسلطة زمنية و القبيلة ككيان اجتماعي ما زال يتملك و يمنح و كان الدولة لم تمر من هنا في أي يوم من الأيام .

بلد المائة جهة ...

يبد أن القبيلة فعلت فعلتها و أحكمت قبضتها على مفاصل المجتمع , فإن كانت الدولة تحكم إلى حد ما مدينة نواكشوط فان القبيلة بدورها تحكم باقي الجهات الأخرى للبلاد و باتت مختلف الفعاليات تقام من خلال جسم قبلي  سواء القبيلة كمكون تقليدي أو في شكل قبيلة المصالح المحكومة بالزبونية و قليل من الجينالوجيا , و هو ما يشكل شللا تاما لمشروع الدولة في موريتانيا , الذي حٌين منذ أزيد من خمسين عام إلى اليوم بسبب مزاحمة القبائلية له حتى في اكبر مفاصله البيروقراطية الإدارية . 

الفيديو

تابعونا على الفيس