نحن جيل يحمل إرثا ثقيلا من أعباء متنوعة :
- مخاض الدولة وحداثتها
- الطبقية الإجتماعية التي مازال شهود عذاباتها يحكون لأحفادهم وطأة الظلم مشحونة بقهر الطيبين المغلوبين على أمرهم .
- صراع النفوذ بين القبيلة والدولة .
- رداءة المنتج القيمي السياسي والإداري .
وبالتالي ..
- فساد إنسان مابعد التحول .
أحبتي الشباب
لكي نكون أمة ، لابد أن توحدنا الغايات والمطالب الأساسية .
ولكي نحقق تلك المطالب والأحلام ، يلزمنا المسير عبر طريق غير مفروش بالرضى ولا معبد بمتطلبات الراحة ولا حتى الأمان .
يلزمنا أن نسير وكل منا ينظر للآخر متأملا روحه المشبعة بالأمل ، لا ظله الرمادي الغامض .
علينا إخوتي الشباب أن نراعي بعضنا ، فكل منا مشحون بمفاهيم نفسية وإجتماعية ضاربة في القدم ، ونحن لحظة مخاضها المؤلمة .
لازال الحرطاني يمسح دمعة والده وهو يحكي عن ساكن بذات الحي جلده على ظهره ذات يوم أمام زوجته وأبنائه .
لايزال البيظاني غارقا في مفهوم القبيلة العائلة والفخر .
لايزال " المعلم " غريبا بين ملايين الموريتانيين تحاصره سحنته ولعنة المفاهيم والقيم التي استعبدته بطريقتها .
ارحموا بعضكم جميعا أحبتي
فليس هناك جرم يمكن أن نتخلص من تبعات قهره بإعدام هذا أو ذاك .
وليست هناك حسابات دقيقة يمكن أن ننتزعها بعد ويلتين من حرب أو ويلة انتقام .
إنت أيها الشاب البيظاني
لا تقل نحن لم نستعبدكم " وال فات مات "
لا تقزم القضية لتحصرها في غياب او ندرة حالات العبودية على امتداد الوطن .
لا تسفه مطالب تحركها شواخص مزالت ترى من تباريح الأمس دما ودمعا ومخيالٍ لازالت تزعجه صرخات الأمهات وهن يودعن بناتهن إلى الأبد ، مسافرات لزمهرير الشقاء .
لا تشكك في جبروت الدموع على قلوب نساء ورجال لا يعودون من رحلة شقائهم اليومية دون أن ينغرز فيهم خنجر إهانة ، من شاب مراهق يقض مضجع شيخ هرم ( جيبلي لباسي من عند الغسال ، او مسحلي مراية الوتة ، أو جيب لفلانة شمن " الحلوة " أو الخضار ) .
لا تسفه مطالب جيل لاتزال أمهاته يحملن أخوته على ظهورهن وهن يغالبن زمهرير الحر والبرد وهن يرتبن ملابسك وشنط مدارس إخوتك .
أخي أيها الشاب البيظاني الكريم .
حين تدعو زملاء الدراسة للعشاء معك في بيتك ، أرجو أن تحس نكد اللحظات على صديقك الحرطاني الذي يقدم له ابن عمه " المغسل " وأنفه يقطر عرقا .
حاول أن تتجاوز الحدود داخلك إليه لتدرك مرارة أن تكون مقسم الوجدان ، مزدوج الاحساس ، لدرجة تحول بينك وبين اقتناص لحظات سعادة بعد كل ذاك الشقاء .
حاول أن تلج لقلب الحقيقة دون أن تتذكر من أنت .
أفعل ذلك..
ومانحتاجه منك ليس دمعة شفقة وإنما أن تخطو خطوة نحو الحلم .
وأنت أخي الشاب الحرطاني الكريم
أخوك لايزال رغم مثالية الأفكار والخطاب ، يحمل في ملكوت لاوعيه زرعا لم يكتسب جرم بذره .
لاتزال القبيلة بالنسبة إليه أسرته الكبرى ( ذاته البيلوجية ) .
هو أيضا يتشظى بين نير الواقع وفسحة الأمل .
يريد أن يسمعك بقلبه دون أن تجرحه أو تنال من عمه أو خاله أو عائلته .
عليك أثناء نضالك أن تعي مايعتصر قلبه من اعتزاز بتلك العائلة التي لم يمتلك بعد سندا غيرها .
والتي بدورها قايضته رعايتها بموروثها الجاهلي من تفاخر بالنسب وتجاسر على مفاخر لم يفلح نبي الله صلى الله عليه وسلم في انتزاع شأوها وجبروت لذتها ، حتى بعد 14عقدا من سطوع نور الله في أرضه .
هو أيضا يريد تلك الدولة التي تحتضنه عند الحاجة ، وترفع طفله للعلاج حالة إفلاسه .
لكنه مثلك ، لم يجد ما يعول عليه بعد .
وانت عزيزي " المعلم "
أدرك أن علمك وحفظك لكتاب الله وعيشك من عرق جبينك وتعاليك على نير الواقع الإجتماعي ، كل ذلك لم يفلح في إسعافك بلحظة أمل تعيش بها دون طعن في أخلاقك وقيمك .
جميع نا نعتصر الأمل ولكل منا ألمه .
لابد أن نضع أنفسنا أمام شراكة لا مناص منها ، لتجاوز هذه اللحظة المؤلمة للميلاد .
جميعنا أمام واقع يسخر منا ويسفه أحلامنا ويستصغر قيمنا .
واقع متجبر بقوة النفوذ ، وسلطان القيم ، وجبروت المال ، ولوبيات التداول السلمي على مقدراتنا وأحلامنا .
دعونا نعير قلوبنا لبعضنا ، ونتشرك ثمرة عقولنا ، ونمضي معا في طريق لن تعبده سوى أقدامنا الحافية .
في رحلة يبتلع بها كل منا غصته من الآخر وهو يحتضن راحته في راحته .
سيرى كل منا خلف إرثه المؤلم بريق أمل في عيني صاحبه .
ويشد على يده لحظة ألمه منه .
نحتاج لبعض الصبر وبعض الحكمة وكلنا .
دعوني أقول لكم من باب الواجب لا من باب الدعاية .
أننا في " المشروع الوطني " نريد أن نبكي معا ونحلم معا ويخرج كل منا وهو ينبض بقلب الآخر وطنا وحلما .
ومن يرعى قيم المحبة والسلام هو من سيثمر في الأرض حقا وسنابل .
ومن يترك نفسه عبدا للكراهية ، ستمتهنه .
ستمتهنه نقاشات الدين والعرق ، من صفين إلى سوريا، وسيجد نفسه يدافع عن بني أمية تارة ، وتارة أخرى عن الفاطميين ونعيد فتح التحقيق في مقتل الخلفاء والسلاطين أو نحاجج في الحجاج أإلى جنة أو نار .
سنجد أنفسنا في طريق لافرصة فيه للقيمة مالم ندبج آراءنا بمؤشرات نفوذ فكري كاذب ومخادع ومغرور .
نتراشق بحبوب الهلوسة الفكرية والفلسفية ، بينما نعشو عن " رفود حبل من بلو " ، فهذا ثيوقراطي وذاك أُتوقراطي وأخونا في الله بيروقراطي وأنت أوليغاركي ومسعود ديماغوجي وبلال دادي وأحمد دوُغمائي والداه بورجوازي وعبد الرحمن كادح بلوليتاري
وصديقه سادي ومحمد افو ميكافيلي ...... .
تتنازعنا جعاب السلطة وأقانيم المال والسياسة .
معارضون لأنفسنا وموالون لمأساتنا .
وسنتحول فجأة إلى ببغاوات وطاوويس يستعرض كل منا غروره كالديوك الهندية ، تتقاتل ليأخذ ليثرى ملاكها وتأخذ ثمن دمها تصفيقا .
وفي النهاية نسجل إعجاباتنا على خيباتنا .
وفي الأخير وفي المقابل وبالمناسبة
لن يكون طريقنا إلى الكراهية مفروشا بالورود ولن تملأ الفضاء برائحة عطورنا المفضلة .