الحديث عن الحب في شهر فبراير -مهما قيل عنه- هو موائم؛ ففبراير لطيف رقيق تداعب فيه الروح الجسد وتتمايز فيه الذكريات عن الأحداث، وتشرع فيه الشمس في ازورارها مطالبة المحبين بالبوح.
لكن حبنا مريض فقد خسر طهره وعفافه وروحانيته؛ لم نعد أهلا له ولم يعد يصلح لنا في معظمنا، فلا الأجيال الجديدة توليه اهتماما ولا المراهقون المتقاعدون يعرفون سبيلا إلى تلك الفضيلة؛ ولا الكهول مستعدين لسقاية تلك الحديقة التي ذبلت منذ زمن.
لقد غدا الحب فينا مقترنا بقاموس المآلات : عرس وبيت وسيارة ومكسب دنيوي؛ وفي أحسن الأحوال حساب وعقاب وموعظة وتقليد.
عرفوه في شعرهم ونثرهم وتركوا شواهده في أطلالهم صامتها وناطقها ومستنطقها؛ وتلمسوه من حواليهم؛ لكنهم آثروا تلك الهالة التي لا وجود لها على أرض الواقع؛ وتخندقوا خلف الهواتف الذكية يصطادون الكلم المحرف عن مواضعه والمحبين المزيفين والحبيبات المزيفات.
الحب لحظة صفاء مقدسة تصادف طمأنينة في النفس؛ وشعاع من صدقة متقبلة تتبعها نوافل سامية؛ و جمال مخفي يكتنفه غموض وتعلوه علامات استفهام واستكشاف من لدن جميل لبق.
ليس كل شيء فينا حبا ورغم ذلك كل حب فينا شيء؛ شخصيا أشفق على من يتكلفون الحب ويتكلفون اللاحب؛ وعلى الذين ينكرون الحب ويمقتون الحب ويحبون الحب.
في زمن "الشات" واللحظات المصورة تمرض الجغرافيا وتيبس المشاعر؛ فالابتسامة مشتراة والعطر مجاملة؛ تراجع العفاف ففر الحب؛ واستمرئت الرذيلة فانسحبت الفضيلة.
لاخير إذن فينا إن لم نحب ونتحابب؛ فلنستحق الحب قبل أن نحب أو نحب؛ فسلام على زمان الشعر الفياض والحروف الدامعة والتعاطف الجياش؛ ومرحبا بعهد حب الصنارة والسيارة والكيتشاب والميكاب.
رجال اليوم مدعون للحب في سوادهم الأعظم ونساء اليوم محبوبات بالضرورة؛ لكن من غلا ثمنه وخف حبه هو من يتملكه شيطان الشائعات من المس؛ إنهم سكارى الوهج الناسوتي العظيم؛ وحيارى مداءات الرقيب لايخشون إلا ولا ذمة في خلواتهم وتسيل أعينهم من الدمع في جلواتهم توجسا وخيفة من شيء هم بالغوه على كل حال.
أحبوا على طريقتكم فلن تزيدوا الرذيلة قيمة ولن تنقصوا وهج الفضيلة قيد أنملة، واتركوا القديس فالانتاين يرقد بسلام؛ ألحقه الله بأكابر قومه؛ ففي كل منا فالانتاين موؤود.