اسماعيل ولد الشيخ سيديا ـ
استتب الأمر للرئيس الجديد آداما بارو؛ وطغت حراب جنود السيدياوو أو الأيكواس لا يهم؛ فنحن العرب مولعون بلفظ مختصرات الآخر بطريقتين إحداهما تبدأ من مصر شرقا وشمالا بطعم انكليزي؛ والأخرى من تونس غربا حتى نهر السنغال بنكهة فرنسية معجمة الإعجام. بارو قال إنه سيقضي سنوات ثلاثا في الحكم وقد لا يوفق في عزيمته لأن النظام الرئاسي واسع الصلاحيات في الجمهوريات الإفريقية يحمل من نزغ الشيطان مالاتحمله وضعيات الحال الأخرى في دنيانا.
سيحاول الخمسيني اليافع -سياسيا - أن ينسي أهله مصحف جامي وعصاه، ومهرجانات السحرة السنوية التي كان يخيل إلى المشاركين فيها أنها(عصاه) تلقف مايافكون.
حكومة ائتلاف وخطة ثلاثية وربما خمسية للنهوض بالديمقراطية المترهلة؛ وتركة اقتصادية وحقوقية ودبلوماسية ثقيلة؛ فقد خرج يحيى جامي من الكومنويلث وكاد أن يخرج من السيدياوو لأن زملاءه فيها ولوا رئاستها للرئيس الغاني حيث لم يكونوا يرون في جامي "أهلية"
لن يكون بمقدور قوات السيدياوو الست مائة أن تمكث طويلا؛ لأنها لاتريد أن تنقطع عنها زغاريد نساء سينغامبيا كقوة سلام وفتح؛ لتنصب عليها لعنات الاعتداء الجنسي وشظايا الفساد كقوة غازية.
غامبيا بارو وغامبيا جامي لم تخرجا من مشكاة واحدة؛ فالأخير هو ردة فعل أكثر منه زعيم مخلص؛ والأول ملازم خرج للمطالبة بمتأخرات رواتبه فوجد نفسه رئيسا لمجلس عسكري للانقاذ أو الإصلاح لا أتذكر؛ كماهو الحال بالنسبة للكثيرين من أصحاب الانقلابات الناجحة.
وبين ذينك الزمنين تبرز حركة تمرد من نوع خاص؛ إنه تمرد الرؤساء على الرؤساء؛ نعم فأعظم شيء فعلته الإيكواس عبر تاريخها الطويل هو أنها ترفض وتسارع إلى الرفض حين يرفض رئيس عضو الانصياع للانتخابات أو ينقلب مرؤوس على رئيسه، فقد تحطمت على منصتها أحلام النقيب سونوغو في مالي والجنرال دينديري في بوركينا فاسو وعصبة الجنرالات المزورين في غينيابيساوو وتماسيح الليبيراليين في داكار؛ وعسكريتاريا السياسيين في كوت ديفوار والسيراليون وليبيريا؛ وصارت محجة للسلم ومناصا للحالمين من الثوار والحالمين بغد أفضل.
تضم السيدياوو (الأيكواس) الآن أعظم ديمقراطيتين في إفريقيا غانا وجزر الرأس الأخضر (بمعيار التداول السلمي على السلطة فيهما وبلوغ أهداف الألفية لإحداهما:الأخيرة) ويحتفي بها مجلس الأمن الإفريقي والدولي؛ يسودها الفقر ولكنها تخطو بتؤدة نحو غد أفضل.
غامبيا هي "البيبي" المدلل الأصغر حجما في السيدياوو والأقل تداولا على السلطة؛ شهدت تقليدا ديمقراطيا عريقا لكن لاعرق له؛ جاءت أصوات الناخبين فيها بنتيجة لأول مرة منذ الاستقلال؛ فاحتفى بها العالم واحتفت بها السيدياوو.
سوف يعود راعي الأبقار في بركامه وصائد التونة في فرفني وبائع الأغنام في بانجول ومضيفة الفندق في سينغامبا لسيمفونتهم الأزلية؛ وتبقى تماسيح كانيلاي الخمسمائة وسنوات بارو القليلة شواهد على أن شيئا كبيرا حدث.
فغامبيا الآن عنوان لرفض الدكتاتورية وميزان أقامه شعب حرمته العسكريتاريا المسيسة والسياسيتاريا المعسكرة؛ ولتهجي الاقتراع العام المباشر حتى ولو كانت مكاتب الاقتراع تستخدم بلورات الزجاج لحساب الناخبين كما حدث في الرئاسيات الأخيرة قبيل العشاء الأخير لجامي؛ هي إذن موعظة غامبيا التي حلت في صمت بين زمنين.