آفاق التحول الديمقراطي بمنطقة غرب إفريقيا / بقلم سيدي ولد عبد المالك

خميس, 02/02/2017 - 23:25
سيدي ولد عبد المالك

يطرح الضغط الإقليمي و الدولي الذي تنحي بموجبه الرئيس الغامبي السابق يحي جامي عن السلطة لصالح الرئيس المنتخب آداما بارو موضوع قضية الديمقراطية و اشكالياتها في منطقة غرب إفريقيا للنقاش من جديد.

إن رحيل جامي عن السلطة لم يُحسم بالأدوات الداخلية فقط-و إن لعبت دورا فيه-فالعامل الخارجي

 

و المتمثل في الضغط و التهديد باستخدام القوة من طرف منظمة تنمية دول غرب إفريقيا كان أهم و سائل الحسم في معركة لي الذراع بين جامي و معارضته.

إن السياقات التي أوصلت الوسطاء الثلاثة، الذين انتدبتهم المنظمة الإفريقية، منذ بداية الأزمة و هم: النيجيري محمد بوخاري و اليبيرية إلن جونسون سيرليف، و الرئيس السابق لغانا الذي خسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كانت رسالة واضحة من المنظمة تقول مضامينها أن الاستمرار الأبدي في السلطة بات جزءا من الماضي.

فالقادة الثلاثة جاؤوا عبر صناديق الاقتراع و بإدارة شعبية و أحدهم غادر السلطة تزامنا مع التأزم السياسي في غامبيا في مشهد يدعو لأخذ العبرة السياسية من واقع و متطلبات المرحلة الجديدة التي تعبر بالمنطقة و بخطي مثقلة إلي بر السلم و الاستقرار السياسي بعد أن كانت من أهم بؤر التوتر في القارة السمراء.

إن المتابع للحراك السياسي بمنطقة غرب إفريقيا يلاحظ على مدار السنوات الأخيرة وجود عوامل هامة قد تدفع نحو ديمقراطية متدرجة في هذه المنطقة علي مدار السنوات أو العقود القادمة.

التصالح مع الديمقراطية

وتكمن أهم خصائص التحول الديمقراطي بمنطقة غرب افريقيا  في تصالح الدول ذات التأثير الاقتصادي و الديمغرافي و الدبلوماسي و السياسي بالمنقطة مع المسار الديمقراطي كنيجريا- التي تمثل حوالي 15% من سكان القارة السمراء و تعتبر أول قوة اقتصادية في القارة- و ساحل العاج و غانا و السنغال.

لقد تعززت تراكمات البناء الديمقراطي في المنقطة بفشل قادة الانقلابات العسكرية الذين سعوا للبقاء في السلطة علي مدار السنوات العشر الأخيرة لعدة عوامل من أبرزها الرفض الداخلي، الأمر الذي اجبر  غالبية الانقلابين لتشكيل حكومات انتقالية توافقية برأس مدني في أسوأ سيناريوهات التمكين للحاكم العسكري المنقلب . كما أن معظم الانتخابات التي عقبت هذه الانقلابات كانت تأتي برؤساء لا يمثلون رغبة المؤسسة العسكرية و لا يأتمرون بأوامر قادتها وضباطها.

ثم عامل آخر ساهم في توطيد ما يمكن تسميته ب"الصحوة الديمقراطية بإفريقيا" و يتمثل هذا العامل في وجود نزعة سياسية و شعبية قوية باتجاه تحديد مأموريات الرؤساء،حيث أصبحت  الكثير من الدساتير بالمنطقة تنص علي تقييد المأمورية الرئاسية باعتبار التناوب علي السلطة يعتبر أوكسجين العملية الديمقراطية. فالشعوب الإفريقية أصبحت لرؤية رؤساء يتخلون عن السلطة بإرادة الدستور حيث  اظهر استطلاع للرأي أجراه أحد المعاهد الغربية مؤخرا أن 75% من الأفارقة يؤيدون تقييد الفترة الرئاسية لمدتين.

وعي جديد

إن طفرة وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر من الوسائل الهامة اليوم التي تساهم في زيادة الوعي بإفريقيا ، كما أن ظهور وسائل إعلامية جديدة منافسة للإعلام الغربي كالجزيرة الانكليزية و بعض الوكالات الأنباء التابعة للصين و تركيا مثلا و التي تنشر باللغات الفرنسية و العربية و الإنكليزية ساهم هو الأخر في تحرير الذهنية الإفريقية من تدجين الإعلام الغربي الموجه.

فسقوط جامي يعود العامل الرئيسي فيه لتطبيقات "الواتساب"، التي بدأ يستخدمها معارضوه على مدار السنتين الأخيرتين من اجل فضح ممارساته الاستبدادية و سرقته لأموال و ممتلكات البلد.

إن بروز حركات شبابية و مجموعات فنية مناصرة لقضايا الديمقراطية و حقوق الإنسان بالمنطقة دعٌم بدوره الحنين لإرساء ثقافة ديمقراطية تُصلح الواقع السياسي المحتقن و تحقق مصالحة بين الشعب و الحاكم، و يلاحظ علي مدار السنوات الأخيرة ظهور قوي شبابية غير متحزبة و بعض فناني موسيقي "الراب"،الذين كان لهم أداء سياسي معتبر في تعبئة الشارع ضد بعض الأنظمة حتي الإطاحة بها انتخابيا أو عن طريق الثورة الشعبية  كحركة "يانمار السنغالية" و  حركة "بالي سيتوين" ببركينا فاسو.

خلفيات و تحديات

استحضار الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لدول المنقطة إبان فترة تدشين مشروع الديمقراطية قد يساعد في فهم سر التدرج المتعثر إن لم نقل الإخفاق الذي يعتري التجارب الديمقراطية الإفريقية بين الفينة و الأخري.

فالديمقراطية بهذه المنطقة كانت إملاء خارجيا مرتجل،اذ شكلت مخاوف انتقال عدوي الإطاحة بأنظمة شمولية في دول أوروبا الشرقية  هواجس لدي القوي الاستعمارية التقليدية لأفريقيا من  ظهور أنظمة ثورية مماثلة في إفريقيا تتأسي بالرئيس البركنابي الراحل توماس سانكري الذي جاء على خلفية انقلاب عسكري و تبني إصلاحات اقتصادية و اجتماعية ببلاده و كان ينادي بالقطعية مع فرنسا. لذا بدأ التفكير في فكرة الديمقراطية كأنجع وسيلة لتوفير طوق نجاة للأنظمة الموالية للغرب و لفرنسا علي وجه التحديد، فكان مؤتمر "لابول" الشهير سنة 1990-الذي يعتبر إعلان الرسمي لإطلاق المسلسل الديمقراطي-حيث اشترطت فرنسا في هذه القمة علي الدول الإفريقية نموذجا ديمقراطيا  يقوم بإحداث تغيير في البنية السياسية الحاكمة و يسمح بتحقيق بعض مطالب المشاركة السياسية للحيلولة دون وصول أنظمة ثورية ترفض التبعية للقوي الاستعمارية.

كما أن فكرة الديمقراطية تزامنت مع فترة ضعف و غياب مفهوم الدولة، فالدول الإفريقية دول حديثة عهد بالاستقلال(بعضها حصل علي استقلاله في 1975). و بالتالي نحن أمام دول لم تترسخ فيها معاني الدولة المعاصرة، يضاف إلي هذا العامل أن هذه الدول لازالت منقوصة السيادة و تتجلي مظاهر ذلك في التبعية السياسية و الاقتصادية و العسكرية لدول الاستعمار التقليدي و بوجود قواعد عسكرية غربية نشطة.

الفيديو

تابعونا على الفيس