لا يحسد السادة قضاة الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا على الوضع الذي أصبحوا فيه بعد أن أصدروا قرارهم المفاجئ للجميع وأقصد بالجميع هنا الجمهور المتابع لتطورات ملف المسيء لنفسه، من القانونيين والإعلاميين وجمهور ما أصبح يعرف بالنصرة رغم تحفظي على التسمية واستخداماتها التي توحي باحتكار نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وفدائه بالنفس والمال التي هي صفة يفترض أنها قائمة بكل مؤمن ولا تختص بمن يحضرون الوقفات والتجمعات.
ذلك أن القرار لم يستجب لمطلب الجمهور الذي يهتف بإعدام المسيء بأي وسيلة،ولم يستجب لمحامي الطرف المدني ولاهو استجاب أيضا لطعن المتهم، رغم أن المحكمة في قرارها تجاوزت كل الشكليات والإجراءات المعهودة فما الذي سوغ للمحكمة العليا في غرفتها الجزائية نقض قرار محكمة الاستئناف دون أن يكون ذلك استجابة وقبولا لأي طعن ؟ وهل هذه النازلة داخلة في الحالات التي يجوز فيها للمحكمة العليا أن تتجاوز الشكل لتبت في الأصل؟
خصص المشرع المواد من 529 إلى 544 من القانون رقم 036/2007 للإجراءات الشكلية الواجب توفرها في الطعن بالنقض الذي هو طعن غير عادي ، ومن بين تلك الشروط أن يقدم الطعن لدى كتابة ضبط المحكمة مصدرة القرار في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ النطق بالنسبة لمن حضر هو أو محاموه الجلسات او النطق وهذا ينطبق على المتهم في هذه الواقعة وعلى محامي الطرف المدني ، وكذا تقديم مذكرة في أجل شهر من تاريخ تقديم العريضة تحت طائلة سقوط طلبه، وكذا دفع غرامة الطعن 3000 أوقية وإلحاق الوصل بعريضة الطعن في أجل أقصاه خمسة عشر يوما، كلها هذا تحت طائلة سقوط الحق، فهل توفرت هذه الشروط في طعن الطرف المدني ؟ وأين منها طعن المتهم؟
حسب ما لدينا من المعلومات أن الطعن الوحيد المستوفي للشروط والآجال هو طعن المسيء لنفسه ولكنه لا يشمل كافة الحيثيات وإنما هو طعن جزئي متعلق فقط بجزئية القتل حدا الواردة في الحكم المطعون فيه ، أما محامو النصرة المدافعون عن الجناب النبوي فقد فاتتهم آجال الطعن وتقديم المذكرات بحجة أنهم لم يطلعوا على الحكم بعد تحريره ولم يتم إشعارهم بذلك وبالتالي فمن المستبعد أن يكون منطوق القرار جاء استجابة لطلباتهم كما أنه من المستبعد أن يكون تلبية لطلبات المتهم لكون طعنه جزئيا ولكونه لا يمكن أن تساء وضعيته إذا قبل طعنه، فلمصلحة من جاء هذا المنطوق ؟ واستجابة لأي طعن؟
تنص المادة : 556 على أنه " تبحث المحكمة العليا قبل الفصل في الأصل عما إذا كان الطعن قدم بصفة صحيحة وإذا رأت أن الشروط القانونية لم تتم تصدر بحسب الأحوال قرارا بعدم القبول أو قرارا بسقوط الحق".
فما الذي منع المحكمة العليا أن تصرح كعادتها بقبول الطعن شكلا وتحدد الجهة التي قبل طعنها قبل نقض القرار وإحالته؟
يزيد الأمر غرابة إذا علمنا أن الإستثناء الوحيد الوارد على هذه القاعدة والذي يمكن للمحكمة العليا أن تتجاوز فيه الشكل وتبت في الاصل كما فعلت في هذه السابقة هو استثناء منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 221 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية متعلق بالأحوال الشخصية وبعيد كل البعد عن هذه الواقعة فهل قاست عليه المحكمة مع العلم أنه لاقياس مع وجود نص صريح؟هذا وليكن في الحسبان أن المحكمة العليا محكمة قانون وأن الشكل فيها مقدم على ما سواه ولا يمكن تجاوزه.
تبقى الكلمة الفصل للمحكمة عندما تصيغ حججها والمقدمات التي بنت عليها هذه النتيجة والحيثيات التي ستبرر بهذا هذا المنطوق الغريب والذي رغم مافيه إلا أنه يمكن أن يكون مخرجا من مأزق قرار محكمة الإستئناف الملغى .
وهنا تبرز أهمية العمل الذي ينبغي على المحكمة الإسراع فيه ألا وهو تحرير القرار ليتضح ماذهبت إليه المحكمة من خروج على النص هي ملزمة بأن تجد له عذرا مقبولا.
ومن وجهة نظري أنه كان على المحكمة العليا أن لا تطيل الأمر بإعادة القضية إلى محكمة الإستئناف من جديد لما في ذلك من مماطلة وإضاعة للوقت . فكان أولى لها أن تقتصر على جزئية التوية فهي إما مع رأي الجمهور القائل بعدم الاستتابة فتحكم بعدم قبول التوبة ، وإما مع الرأي الآخر فتحكم بصحتها فهذا هو لب الموضوع وجوهره