ما يفتأ الشاعر الموريتاني الشاب داؤد أحمد التيجاني جا يتحفنا بين الفينة و الأخرى بقصائده العصماء التي تنبأ بمستقبل واعد.
لقد كان لي الشرف أن أكون من بين أصدقائه على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" وهو ما مكنني من متابعة ما تجود به خاطرته الجياشة ثم كانت علاقة الزمالة الإعلامية التي جمعتني وإياه فترة من الزمن في "إذاعة كوبني" وبعدها في بعض المواقع.
ثم استطاعت علاقات ووشائج الاتصال التي تعززت بيننا لاحقا أن تكشف لي عن جوانب متعددة من شخصيته الفذة.
لقد قرأت لهذا الشاعر الشاب [ 30عاما] مجموعة من القصائد اختلفت عناوينها وتعددت أغراضها وتنوعت مدارسها منها على سبيل المثال لا الحصر :
وتر اليوم ـ سنابل الرماد ـ شظايا الطوب ـ ركعة في محراب الدخان ـ حريق في صومعة السنابل ـ أنا بلدي ـ نيرون ـ غياب ـ أفق الخيال.
وسأكتفي في هذه العجالة باختيار ثلاثة نصوص لتقديمها للقارئ الكريم وحسبي في هذا المقام حسن الاختيار وقديما قيل إن "اختيار المرء قطعة من فكره تدل على تخلقه وأدبه".
يقول شاعرنا في
سنابل الرماد:
ضعي أصابعك الملساء فوق يدي حتى أخفف من حزني ومن كمدي
ولتمسحي الدمع عن عيني ثانية إني أعانق صمت الليل في جسدي
إني أرتل في محراب أدعيتي من دمع أيوب سفرا قد من كمدي
تناثر الشوك في جسمي ليزعجني ولف جيدي في حبل من المسدي
إن الجماد وإن خانته سنبلة من الرماد يحب العيش في رغد
ون تغير صوت البنت من خجل تبقى المضامين في الأنفاس لم تحد
وإن تقيأ في صحن الذباب فم يقـــــــول حسنك لا تقسو على أحد
كم كنت أركض مثل الظل دون هدى فلا أصادف غيــــــــر التيه والنكد
والظل وجهي منفيا يلاحقني حتى تعثر فــــــــــي واد من الأسد
لا زلت أذكر رغم الخوف سيدتي بـــــأن ربك لم يــــــــــــولد ولم يلد
فما عكفت على عجل لأعبده ولا رميت حبال الســــــــحر والفند
وما تغربت في ثوبي كما فعلت تلك الرياح التي تاهت ولم تعـــــد
وغيض مائي لكني سأرجعه فكيف أرقد فــــــي جبني إلى الأبد
حملت عمري في كفي أذود به عن الشواطــــئ كي تنجو من الزبد
وجئت أنشد من أيام عزتنا "يا دار مية بالعليــــــــــاء فالسند"
ـــــــ
نيرون:
إني أتيتك أشكو لسعـــــــــة الإبر والحزن يلهث خلفي يقتـــــــفي أثري
فلتحضني من شتات الضعف أمتعتي إني كبرت على الترحـــــــــال والسفر
أكلما رصعت في الحب قافية؟ يموت حبر ويرنو الشعر للكـــــدر
أينسف الدهر أشلائي ويتركني؟ في الدمع أعرق كالمنديل في المطر
أنا أتيتك ياسلطانتي فقفــــــــــي حتى أداوي جروح القلب بالنظــــر
أنا أحبك هذا الحدس يخبرني أني بدونك لن أنجو من الخطـــــــر
أنا أحبك هل هذا سيسعفني؟ أم أنه النحت بالأسنان في الحجـــر
يامن تؤذن ضد الصمت في لغتي وتستشف الهوى عني بلا حـــــذر
هل سوف أسبح في أنفاس عاصفتي كي أدرك التمر والليمون في الشجر
أم ذاك ضرب من الأحلام سيدتي "نيرون"أحرق كل الثمر في الصغر
ــــــــــ
وتر الغيوم:
متى تعزف الغيمات كي ترقص الشمس وتمحو رمال الأرض ما خطه اليأس
ويستيقظ الإنسان بعد سبـــــاته على شفة الأمواه تلثمها الكـــــأس
كأني وصوت الريح هدهد خاطري جذوع نخل يستخف بها الفــــــأس
تعلق حدسي بالمخاوف والرؤى وإني وإن أخفيت يفضحني الحدس
ولولا ثبوتي واتئاد مشاعري وصبري على الأشياء لم يرفع الرأس
أترسو بي الأمواج دون سفينتي؟ لتتركني فردا كأنــــــــــــي لم أرسو
تقول لي الأفلاك هب لي قصيدة أرتلها دوما ليسمعـــــــــــــها الإنس
مآذن هذا الكون تباع همسها ولولا مجــــــيء الليل لم يبلع الهمس
وتبصق في عمق البحار سحائب ليغرق فيها الطفــــــل إن همه الغطس
ورقت حواشي الصخر بعد تعنت ولكن حواشي الإنس يمنعها الرجس
وكل انتفاض للحروف جريمة عقوبتها التنكيل والجلــــــــد والحبس
ولو أن هذي الريح تعدل بيننا لما تاهت الأفكــــــار والروح والنفس
وإلى هنا تنتهي هذه الوقفة مع هذا الديوان على أمل العودة إليه من زاوية جديدة .
ولله الأمر من قبل ومن بعد