يشهد اليوم الخامس والعشرين من يناير لهذا العام للمرة الثانية والعشرين اعلانا لنتائج مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية سنويا وهي المنظمة التي تقود الجهود العالمية لمكافحة الفساد.
يقيس المؤشر هذا العام الفساد في 176 دولة حول العالم تبعا لآراء خبراء في القطاع العام والخاص، بالاعتماد على 14 مصدرا للمعلومات.
بشكل عام أشارت النتائج إلى أن المعدل العام لدول العالم جاء بنسبة 43%، وأن ثلثي الدول المشمولة حصلت على درجة أقل من 50%، فيما بلغ عدد الدول العربية التي شملها المؤشر لهذا العام 21 دولة، 90% منها حصلت على درجة اقل من 50%، كما إن عدد الدول المُتراجعة على المؤشر ككل يفوق عدد الدول التي تحسن وضعها.
إن الكشف عن أوراق بنما أظهرت مدى استغلال عدم الشفافية في النظام المالي العالمي من قبل الفاسدين في سبيل زيادة ثرواتهم على حساب حياة ومعيشة الضعفاء من المواطنين، وإن الفاسدين يُنمون ثرواتهم على حساب حقوق الانسان والتنمية المستدامة، ولطالما كشفت ظاهرة تهريب الأموال الى ملاذات آمنة في بعض الجزر والدول من قبل زعماء ومسؤولين كبار في عدد من الدول من بينها دولا عربية مدى خطورة الفساد وعدم المساءلة.
دول الرفاه والحريات الاقل فسادا بينما دول الصراعات والحروب الأكثر فسادا!
على الصعيد الدولي مازالت الدول الاسكندنافية مثل الدنمارك ونيوزلندا (حصلتا على 90%) وفنلندا والسويد (89%، 88%) على التوالي، في مقدمة الدول على المؤشر، حيث تتمتع هذه الدول بمستويات عالية من الشفافية والمساءلة، وتشترك البلدان التي سجلت المراتب العليا انها تمتلك حكومات منفتحة وحرية صحافة، ومجتمع مدني غير مقيد، فضلا عن استقلالية السلطات القضائية فيها.
وعلى النقيض من ذلك، جاءت كلٌ من الصومال، جنوب السودان، كوريا الشمالية، سوريا والعراق في أسفل المؤشر كأكثر الدول فسادا بحصولها على رصيد علامات متدنِ جدا (10%، 13%، 17%) على التوالي.
تشترك تلك الدول أنها مضطربة وخاضت صراعات أهلية وحروب وعدم استقرار ما أدى الى تراجعها في المؤشر. وترافق ذلك كله مع ظاهرة الإفلات من العقاب للفاسدين فيها بسبب ضعف مؤسسات الدولة، وضعف الحريات العامة والحكم الرشيد.
من الجدير ذكره ان معظم الدول العربية تراجعت في تصنيفها عن الأعوام الماضية فمثلا قطر خسرت عشرة نقاط عما كانت عليه العام الماضي (71% عام 2015 الى 61% عام 2016).
6 دول عربية وقعت ضمن أسوء 10 دول في العالم
على صعيد دول المنطقة العربية المشمولة بالمؤشر والبالغ عددها 21 دولة، 90% منها لم تجتاز علامة ال 50%لهذا العام، بينما استمرت كلٌ من دولتي الامارات العربية المتحدة وقطر تتصدران المراتب الأولى (66%، 60%) على التوالي، وان كانت قطر قد سجلت تراجعا ملحوظا مقداره عشرة درجات عن العام 2015، تليهما الاردن (برصيد 48%) والسعودية (برصيد 46%) وسلطنة عُمان (برصيد45%) فيما حصدت البحرين 43%.
على صعيد آخر، جاءت الصومال كأكثر الدول العربية فسادا بحصولها على10% لتحل في قاع القائمة عربيا وعالميا بالتشارك مع جنوب السودان وكوريا الشمالية المتقاربات معها في العلامة.
أما باقي الدول العربية فجاء تنتائجها متدنية حيث حصلت غالبيتها على مادون 50% ومنها على سبيل المثال: تونس41%، المغرب 37%، الجزائر ومصر 34%، جيبوتي 30%، لبنان 28%، موريتانيا 27%، جزر القمر 24%.
على ضوء ما تقدم، فإن تحديات المنطقة العربية عديدة ومتفاوتة في الدرجات تبعا لوضع الدولة لكن جميعها تشترك في الحاجة إلى أنظمة فاعلة شفافة تضمن المساءلة ذلك يمكن تحقيقه من خلال وضع حد للفساد السياسي الذي يعتبر عاملا أساسيا في استشراء الفساد فيها، وجود إرادة سياسية فاعلة في تحقيق الالتزامات الدولية حسب الاتفاقيات الدولية وتعهدات الدول ضمن أهداف التنمية المستدامة، ضمان حق حرية الرأي والتعبير والمساءلة ووضع حد للضغوط على النشطاء والمبلغين ومؤسسات المجتمع المدني، استقلال القضاء من أجل محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.
تجدر الاشارة الى أن فلسطين لم تُدرج في المؤشر للسنة الحادية عشرة على التوالي لعدم توفر ثلاثة مصادر على الأقل من مصادر المعلومات الرئيسية لمؤشر مدركات الفساد وعددها ثلاثة عشر مصدرا أضيف اليها مؤشرا يتعلق بالديمقراطية والحكم للمرة الأولى هذا العام لتصبح أربعة عشر مصدرا بشكل عام. والمؤسف أنه لم يتوفر هذا العام أي مصدر حولفلسطين مع العلم أنه وفي بعض السنوات يتوفر مصدرا أو مصدرين.
التوزيع العادل للقوة والثروة هو الحل
وكان رئيس منظمة الشفافية الدولية السيد خوسيه أوغاز قد أشار في بيان خاص بنتائجمؤشر مدركات الفساد إلى ان ضبابية النظام المالي العالمي لا يتيح فرصة ملاحقة الفاسدين.
وفيما يخص الدول العربية، لا يوجد ثقة بتوفر الإرادة السياسية، وأن هناك علاقة وطيدة بين الفساد وطبيعة النظم الاستبدادية التي لا توفر الحقوق الأساسية المتعلقة بحرية الاعلام وحق المجتمع المدني العمل دون قيود واستمرار ضعف أجهزة الرقابة وعدم استقلالها وضعف الجهاز القضائي.
وأشار أيضاً إلى ضعف دور البرلمانات في بعض الدول، والى استمرار انتشار ظاهرة تضارب المصالح حيث يتم الدمج بين عمل السياسيين ورجال الاعمال، وطالب بضرورة تغيير جذري وعميق في نظام توزيع القوة والثروة في المجتمعات لإتاحة الفرصة للقضاء على الفساد ومسبباته.