محمد الأمين الفاضل
من حقنا أن نتساءل عن السبب الذي جعل وزارة المالية تقرر أن تمنح قطعا أرضية للنواب والشيوخ في مثل هذا التوقيت بالذات، وإذا ما اكتفينا بالشيوخ فإننا سنجد بأن اختيار هذا التوقيت لم يكن بريئا.
(1) يأتي توزيع هذه القطع الأرضية بعد تحرك مثير للشيوخ، وهو التحرك الذي كان موجها في ظاهره ضد الحزب الحاكم والحكومة،
إلا أنه في باطنه وفي حقيقة أمره كان تحركا ضد الرئيس وضد تعهده بإلغاء مجلس الشيوخ.هذا التحرك أعقبته اتصالات ولقاءات واسعة وربما مفاوضات بين الرئيس والشيوخ، ويبدو أنه كان من نتائج تلك اللقاءات هذه الهبة أو هذه "الرشوة" المتمثلة في منح قطع أرضية للشيوخ.
إن تمرير التعديلات الدستورية لن يكون مضمون النتائج، وسواء تم ذلك التمرير عن طريق استفتاء شعبي أو عن طريق مؤتمر برلماني، ولكن إذا ما تحدثنا بلغة تجارية بحتة، والرئيس خبير في مثل هذه اللغة، فإن تمرير التعديلات الدستورية عن طريق البرلمان سيكون من الناحية المادية أقل كلفة من التمرير عن طريق الاستفتاء الشعبي.
(2)
تزامن الإعلان عن توزيع القطع الأرضية على الشيوخ مع حلول الذكرى العاشرة لانتخاب الشيوخ ولدخولهم في هذا المجلس الذي يعيش بسبع أرواح، ستحل هذه الذكرى بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع. فأن يتم منح قطع أرضية للشيوخ بعد حصولهم على " Bonus" بقيمة خمس سنوات، فإن ذلك ليؤكد بأننا أمام رشوة سياسية، وأن تلك القطع الأرضية لم تمنح في سبيل الله، ولا في سبيل الوطن.
إن الذي كان يجب أن يحصل في هذا المقام هو أن يسدد الشيوخ ما استولوا عليه من أموال الشعب دون وجه حق، لا أن توزع عليهم القطع الأرضية في الأحياء الفاخرة.
إن الشعب الموريتاني، وعن طريق مستشاريه البلديين، لم يمنح للشيوخ مأمورية من عشر سنوات، وإنما منحهم مأمورية من ست سنوات فقط، ومن حقه أن تتاح له فرصة استبدال الشيوخ أو إعادة الثقة فيهم بعد أن اكتملت مأموريتهم، وهو الشيء الذي لم يتم حتى الآن، وذلك على الرغم من مرور أربع سنوات على انتهاء مأمورية المجموعة الثالثة، أما المجموعة الأولى والثانية فقد كان عليها أن تخرج من المجلس من قبل ذلك بسنوات.
إن أي شيخ من المجموعة الأولى كان عليه بدلا من أن تُمنح له قطعة أرضية، أن يسدد دينا للشعب الموريتاني، وهذا الدين عبارة عن أموال أخذها ذلك الشيخ دون وجه حق، وإذا ما اكتفينا بالتعويض الشهري (الراتب)، وبالتعويض عن الدورات العادية مع تجاهل الدورات الاستثنائية، فإذا ما اكتفينا بذلك فقط، وتجاهلنا كل التعويضات الأخرى، فسنجد بأن الشيخ الذي أدخلته القرعة في المجموعة الأولى كان قد استولى، وبدون وجه حق، على 66 مليون أوقية من أموال الشعب الموريتاني. فبأي حق يمنح من استولى على هذا المبلغ الكبير قطعة أرضية في حي فاخر؟
(3)
يأتي منح هذه القطع الأرضية بعد أيام قليلة من تمرير مجلس الشيوخ لمشروع "قانون العنف ضد النوع"، ودون أن يسجل عليه أي تحفظات. إن مصادقة الشيوخ على هذا القانون الذي تخالف بعض مواده مبادئ الشريعة الإسلامية لا يمكن تفسيره إلا بواحد من أمرين : إما أن يكون أعضاء المجلس لا يمتلكون الكفاءة اللازمة لدراسة وغربلة القوانين التي تعرض عليهم، أو أنهم يمتلكون تلك الكفاءة، ولكنهم يبخلون بتضييع الجهد والوقت لدراسة ومناقشة مشاريع القوانين التي تعرض على مجلسهم. في كل الأحوال، ومهما كان السبب، فإن الشيوخ الذين لا يمتلكون الكفاءة، أو الذين يبخلون بتلك الكفاءة إن وجدت، لا يستحقون أن تمنح لهم قطعا أرضية في الأحياء الفاخرة، وهناك في هذه البلاد من هو أولى من الشيوخ بتلك القطع الأرضية.
حفظ الله موريتانيا..