كنت أحبذ لو جنبنا إخوتنا المغاربة التردى فى هذه المهاترات والمناوشات الإعلامية التى تلحق بالغ السوء بالعلاقات المتجذرة بين البلدين والكيانين التوأمين،غير أنه وقد وقع الفأس فى الرأس وأمام إصرار الإخوة على مهاجمة بلادى وإلصاق شتى النعوت والأوصاف السلبية بها وجدتنى مرغما على امتشاق القلم من جديد إذ لا يفل الحديد إلا الحديد.
مسار العلاقات البينية:
يعلم الجميع أن المغرب هي الدولة التى عارضت استقلالنا وطالبت بضمنا ونحن فى المهد ،ليس ضم عاطفة ولاحنان بالتأكيد وإنماهو ضم من فصيلة ضمة القبر،عارضوا انضمامنا للجامعة العربية ثلاثة عشر عاما وكل هذا بدعاوى باطلة من قبيل مبايعة بعض الأعيان الغابرين ذات ضائقة للمولى عبد العزيز وللراحل الخامس،وهي نفس الدعوى التى احتلوا بها الصحراء الغربية متأولين مبايعة أعيان اتحادية تكنة الشمال لهم إلا أنهم عند استظهارهم بهذه العقود التاريخية المزعومة فى الأمم المتحدة جوبهوا بتفنيد تام لكل هذه التخاريف سواء من أحفاد الصحراويين أو ممثلينا فى الهيئة الأممية ، تجاوزنا تلك المرحلة ونسيناها باعتراف الحسن الثانى بجمهوريتنا الوليدة عام 1969 لنفتح صفحة جديدة من العلاقات المبنية على الندية المفترضة،تلك الندية التى لم يرضها المخزن لنا فى يوم من الأيام بل إنه وعن سوء نية وطوية استغل مشكلا وانفعالا شخصيا من الرئيس ولد داداه بعيد حادثة بشار الجزائرية والتصرف الخشن الذى كان عرضة له من حليفه السابق هوارى بو مدين الذى لم يرقه التقارب الجديد آنذاك مع المغرب ليتلقفه الداهية الحسن مورطا إياه فى حرب كنا فى تمام الإستغناء عنها إذ أطاحت به هو وأرجعت البلاد لعقود إلى الوراء وراح ضحيتها 2700 مابين قتيل وجريح وأسير،والأدهى من ذالك وجود 10000 جندى مغربى على أراضينا مابين بير أم أگرين واگجوجت ودام هذا التواجد حتى نهاية 1979،إذ وجد الحكام الجدد صعوبة فى إقناع الرباط بسحب كتائبها .
بعد خروجنا من الحرب المدمرة ومحاولة لملمة جراحنا لم يمهلنا الجار التوسعى إذ استيقظنا صبيحة 16 مارس 1981 على أصوات البنادق والهاونات وهي تدك مركز العاصمة والقصر الرئاسى ليتبين بعد الإستجلاء أن الأمر متعلق بكوماندوز تم تدريبه فى قاعدة (بن غرير) باقليم الرحامنة جهة مراكش آسفى،وهو الكوماندوز الذى سخرت له كل إمكانيات الدولة والشعب المغربيين كالسفارة فى دكار وجهاز الإستخبارات الخارجى المغربى والخطوط الملكية المغربية ......الخ.
سحبنا السفير وقطعنا العلاقات الدبلوماسية مباشرة وقدمنا احتجاجا رسميا على هذا الهجوم السافر والغادر من جارنا اللدود.
استمرت العلاقات مقطوعة طيلة أربع سنوات ولم تنجح مختلف الوساطات فى رأب صدعها كوساطة الطائف من قبل الملك فهد ولا غيرها ليسعفها أخيرا انقلاب ديسمبر 1984 فتم التطبيع وتبادل السفراء على دخن وحذر، فهاجس بوائق الشمال يراودنا على الدوام.
ابتلعنا وإن بغصة هذه أيضا وقلنا لعلهم يرعوون إلا أن حليمة المسكينة عادت لعادتها القديمة بعد أقل من خمس سنوات من المسالمة الهشة،فقد استغل المغرب مشكلنا مع الجارة الجنوبية السنغال ليكشف عن شعوره اتجاهنا فقد علق أحمد رضا كديره وزير الخارجية المغربى على المشكل بأنه بين دولة جارة أي نحن (موريتانيا) ودولة شقيقة أي (السنغال) أناس لا حياء لهم ومقارنة بموقف دولة فى آسيا (العراق) أمدتنا بالسلاح وأقامت جسرا جويا مباشرا نجد أن الحياد المغربى كان بطعم الإعتداء وعلى هذا الموقف الفج علق أحدهم بقوله:
ليس الذى يهب السلاح وإن نأى*مثل الذى يهب السلام وإن توى* إن الحياد من الأحبة جفوة *مهما تلطف فى العبارة والتوى*
استخدمنا خاصية (استصريط) الموريتانية لنبتلع هذه أيضا فما لنا من ذالك بد ،فجارنا هائل العدد والعدة ونحن قوم مسالمون نميل إلى المسامحة وكظم الغيظ ، كنا نحافظ على شعرة معاوية بعد كل هذه التدخلات والإعتداءات السافرة على كياننا من غول الشمال.
كانت سنوات التسعينات الأمثل لعلاقاتنا البينية فقد بدا المغرب مقتنعا باستقلال الجار الجنوبى وإن على مضض وبوفاة الملك الحسن 1999 حدث انفراج كبير فى العلاقات إذ بادر الملك الشاب بدعوة نظيره الموريتانى ولد الطايع ونظم له استقبالا منقطع النظير ليرد العاهل المغربى الزيارة بمثلها ويحل بنواكشوط كأول حاكم مغربى يطأ أرضها ثم أشفعها بزيارة ثانية بعد أقل من سنتين تم تعليقها بعد هجوم 11 سبتمبر.
بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 بدا المغرب حذرا تجاه الحكام الجدد ليعرب عن دعمه بعد ذالك لمجلس العدالة والديمقراطية مستضيفا رئيسه أعلى ولد محمد فال.
لتعاود المغرب مشاكستها وتحرشها مجددا بجارها المسالم وذالك بإبداء الكثير من عدم الود تجاه الجنرال محمد ولد عبد العزيز المنقلب لتوه على سلفه ولد الشيخ عبد الله وهي الخطوة التى أسرها فى نفسه ولم يبدها لهم .
كان ولد عبد العزيز نسيجا قياديا فريدا لم يسبق للمغاربة أن ألفوا التعامل معه فحاولوا تدجينه مرات عديدة وأدمنوا استفزازه بشتى الصور والأنواع وسأعطى أمثلة على ذالك: من 1-استضافة رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو منذ أزيد من 8 سنوات واحتضان كل انشطته العدائية تجاه النظام الموريتانى بل وتنسيقاته على هوامش مؤتمرات مثل كرانس مونتانا وغيره.
2-إحتضان (...) مصطفى الإمام الشافعى ولم يتم الإكتفاء بذالك بل وإمعانا فى الإستفزاز كان وزير الخارجية المغربى صلاح الدين مزوار ورئيس الاستخبارات ياسين المنصورى أول المهنئين بزواج إبنة الإمام الشافعى الذى حظي برعاية وأبهة ملكيتين.
إن الأفعال لاتجابه إلا بردود الأفعال فهذه قاعدة ديبلوماسية راسخة،ولكي لا أطيل فى الاستطرادات أود أن أتسائل عن ظاهرتين هما:
*-لماذا يستغرب الكتاب المغاربة الجفوة الموريتانية ودولتهم تستضيف أكبر خصوم النظام الحاكم فى موريتانيا ويغضون الطرف عن كل ذالك مستدعين فرضية الإرتماء فى الحضن الجزائرى وكأنهم يستكثرون علينا التصرف بسيادية.
*-مانوع الدعم الذى يمنى المغرب به الدول الإفريقية؟
دولة كالمغرب تعانى كثافة سكانية مهولة وارتفاعا فى نسبتى الفقر والبطالة ومحاصرة أحزمة الصفيح لمدنها الكبرى وانتشارا مفزعا لمستويات الجريمة وتجارة المخدرات وندرة شحا شديدا فى الموارد المالية أنى لها أن توزع الوعود بدعم قارة مليئة بالمواد الأولية والموارد الطبيعية ،لماذا يسافر ملكها متسولا كل شهرين أو ثلاثة فى دول الخليج كلما أحس بضائقة مالية،الأولى يا إخواننا أن تركزوا على العمق والريف المغربى الفقير الذى احدودبت ظهور نسائه من حمل جرار الماء .
وأخيرا أختم بهذه المفارقة.
لماذا يدعى المغرب الحق التاريخى فى الأراضى الموريتانية بحجة أنه الدولة المركز منذ عهد المرابطين أليس وطننا منطلق هذه الحركة وتحديدا جزيرة (تيدرة )على بعد 60 كلم شمال نواكشوط ،أليست أراضينا منطلق الفتح الإسلامى بقيادة يوسف بن تاشفين الذى أدخل الإسلام فى قلوب الوثنيين من قبائل البربر فى سفوح الأطلس الكبير وربوع برغواطة وزناته ولواته وغيرها،فمن الأولى بالمطالبة بالآخر.