نشرت يوم أمس الأربعاء بالدوحة إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف القطرية في عدد جديد من كتابها الشهير "كتاب الأمة" بحثا منهجيا لغويا أصوليا، للباحث الموريتاني محمد سالم بن دودو، تحت عنوان: نظرية السياق في التراث الإسلامي محاولة في البناء، ويسعى البحث كما جاء في مقدمته إلى: كشف البناء الكلي لآلية السياق في التراث الإسلامي مبرزا؛ «أهميته، وماهيته، ومهمته».
وبين الباحث أنه سعى من وراء ذلك إلى الرد على ما شاع في الدراسات اللسانية الحديثة من نسبة اكتشاف دلالة السياق والتنظير له إلى لسانيين غربيين؛ «كانوا أحياء يرزقون منذ أقل من مائتي عام، وأنهم أضافوا إلى المعارف الإنسانية شيئا اسمه "نظرية السياق" !!..».
وقد عرف الباحث "نظرية السياق" بأنها: «مجموع ما تلزم معرفته من القواعد والضوابط؛ لحصول العلم بالسياق من حيث الماهية والمهمة»، شارحا ذلك بلغة العصر "التقنية"، قائلا: «إن "نظرية السياق"، تقدم السياق عبر دليلين؛ "دليل تركيبه"، و"دليل تشغيله"».
وتبعا لذلك تقوم "نظرية السياق" على ركنين؛ أولهما: العلم بماهية السياق التي أجملها في أربعة أركان؛ «مقال يتضمن، ومقام يكتنف، ونسق يحتضن، وقرينة تقتضي»، وثانيهما: العلم بمهمة السياق وقد اختصرها في ثلاثة محاور؛ «لبس يعالج، وقصد يطلب، ومقتضيات توازن»، وحول هذه "العناوين السبعة" دارت الفصول الأساسية في هذه الأطروحة الموزعة إلى بابين يختص كل واحد منهما بمعالجة ركن من ركني "نظرية السياق".
مفصلا "مسارات تشغيلها الأمثل"؛ بدءا بحسم التردد بين الوضع والاستعمال، فتمييز الحقيقة من المجاز، فجعل الكنايات صرائح، فإبراز ما وراء اللفظ من إشارة وتنبيه واقتضاء، فتعيين معاني الصيغ في الإخبار والاستخبار والأمر والنهي، فتوسيع الدلالة وتضييقها تعميما وتخصيصا وإطلاقا وتقييدا، فتغيير حكم الأقوال والأفعال من مقتضى إلى نقيضه، ومن محتمل إلى معين، ومن ظاهر إلى مؤول، وانتهاء بقصر المشترك على بعض معانيه. ثم "أجمل" كل ذلك في "الترجيح بين المعاني بحسب المقتضيات".
وختم بالقول: إن هذه الآلية لا تؤدي المطلوب منها على الأوجه الأمثل إلا بتكامل الأدوار بين مكوناتها الثلاث البارزة؛ المقال والمقام والنسق، وبوجود المكون الرابع الضمني، وهو القرينة، في بعض الثلاثة أو في جميعها.
وكان الباحث قد خصص حيزا من بحثه لأهمية إبراز القوانين والقواعد التي صاغها سلف الأمة للاستدلال بالسياق بصفتها ميزانا يحتكم إليه في كشف الدلالات ونقدها، «خصوصا بعدما تبلَّدت الملكات، وتبدَّلت الأذواق، وانتشرت التأويلات.. فكانت الحاجة إلى وضع النقاط على الحروف أكثر إلحاحا، حتى لا يبقى السياق وقضايا الملكات، والأذواق، والأحاسيس، والمواجيد، والقصود.. مطايا مذللة يعتلي صهواتها كلُّ من أراد من أصحاب الأهواء والنحل أن يوجد لباطله تأشيرة دخول إلى ساحة الرأي الفقهي أو الأخلاقي أو العقدي».
وتجدر الإشارة إلى أن الباحث محمد سالم بن دودو، يرأس حاليا قسم الدراسات العليا بمركز تكوين العلماء، ويتولى منصب نائب الأمين العام لمنتدى العلماء والأئمة بموريتانيا، وقد عمل سابقا مستشارا شرعيا لوزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي ورئيسا لبعثة الحج الموريتانية، وله خبرة فلكية متميزة ظل بموجبها موقتا معتمدا في البلاد منذ عام 1991م.