في الـ 22 من عمره، بدأ السوري فريد حسن حياته الفنية مداعباً أوتار عوده في إذاعة حلب وهو آنذاك طالب جامعي، لكن مسيرته شهدت منعطفاً حاسماً عندما سافر بعد ذلك إلى موريتانيا، ليقع في غرام الألحان ويمضى سنوات في التلحين لتتراقص على ألحانه كلمات كبار شعراء موريتانيا.
أستاذ علم النفس وملحن
ولد فريد حسن في مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب في العام 1945، ودرس علم النفس الاجتماعي بجامعة دمشق، كما عمل أستاذاً لعلم النفس في دار المعلمين بحلب ومدرسة تكوين المعلمين في نواكشوط.
يحمل حسن درجة الليسانس في الفلسفة وعلم الاجتماع ودبلوم تربية من جامعة حلب، وشهادة الأهلية في التعليم (شعبة الموسيقى) وله عدد من المؤلفات في مجال التربية وعلم النفس، ومقالات ودراسات متخصصة في نفس المجال.
وإلى جانب اهتماماته العلمية والأكاديمية اشتغل فريد حسن بالتلحين والغناء، فسجل أول ألحانه في إذاعة حلب بالعام 1968 لأغانٍ من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود علي السعيد وأداء الفنان فارس موصللي، كما لحن قصائد للشاعر نظمي عبد بينها قصيدة “حديث الليالي” و”لا تغضبي”، وسجل ألحاناً لإذاعات لندن ودمشق وحلب والقاهرة والكويت والرباط وداكار.
وفي آذار/مارس 1977، انتقل حسن إلى موريتانيا للعمل أستاذاً لعلم النفس، وهناك بلغ الفنان قمة عطائه الإبداعي، حيث التقى بفنانين ملهمين كالفنانة الراحلة ديمي منت آبه وشعراء من أمثال أحمدو ولد عبد القادر وفاضل أمين والخليل النحوي وكابر هاشم وغيرهم، ما جعله حاضراً وبقوة في المشهد الفني والثقافي والاجتماعي.
ارتبط ابن جسر الشغور عاطفياً ووجدانياً بالثقافة والموسيقى الموريتانية حتى قال، “إن علاقتي بموسيقى البيظان هي علاقة العشيق بعشيقته”، ومن خلال الموسيقى ارتبط أكثر فأكثر بالفنانة الراحلة ديمي منت آبه، التي يلقبها جمهورها بـ “أم كلثوم موريتانيا”.
يقول عنها فريد “كانت ديمي على قدر فائق من الذكاء، وكانت منفتحة على الموسيقى العربية فتختزن ذاكرتها كثيراً من أغاني أم كلثوم وغيرها من المطربات العربيات، أدتها ببراعة فائقة وبمسحة خاصة”.
فرقة الرشيد
بعد أقل من شهر على وصوله إلى موريتانيا، أسس حسن فرقة غنائية مع الفنانة الكبيرة ديمي منت آبه، ويقول واصفاً تلك الذكرى في حديث لـ “هافينغتون بوست عربي” إنه التقى بديمي، “وأسمعتني أغانيها وأغاني أم كلثوم وغيرها من المطربات، واقترح صديقي الراضي البيضاوي أن نشكل معا فرقة الرشيد للغناء والنشيد، وهكذا أسسنا الفرقة، كنا ننظم الحفلات في فندق النواب بالعاصمة، ولم نكن ندفع للفندق، وكان الدخول مجاناً، كانت تلك السهرات الفنية، بشهادة الجمهور، من أروع الحفلات التي شهدتها موريتانيا”.
ضمت فرقة الرشيد إلى جانب الثنائي فريد وديمي، مدير الأعمال الراضي البيضاوي (سوري) والمختار بوبكر (موريتاني) والمهندس فيليب (فرنسي)، وقدمت الفرقة أغانٍ منفردة لديمي منت آبه ومشتركة بينها وبين فريد.
“درسك يا أغلانا” كانت أول وأشهر أغنية يلحنها فريد حسن في موريتانيا بالاشتراك مع ديمي، يقول فريد “ركزت على هذه الأغنية، استفسرت عن معاني كلماتها، وطريقة نطقها وبعد سهرة طويلة، أمسكت بالعود وبدأت أدندن. وهكذا انهالت علي ألحان هذه الأغنية كما ينهمر المطر”.
وعمد إلى إضافة عبارتين من اللهجة السورية (يابا) و(ياعيني) إلى كلمات الأغنية، وهو ما يترتب عليه تغيير في أوزان الأغنية وبنائها الموسيقي، ويجعل من الصعب تقليدها أو انتحالها.
سجلت الفرقة أغنيتها الأولى في إذاعة موريتانيا، وشكلت تلك الأغنية بوابة الدخول إلى الساحة الفنية المحلية، إذ انهالت بعدها الدعوات على الفرقة الوليدة، وتحولت “درسك يا أغلانا” إلى الأغنية الأكثر رواجاً خلال تلك الفترة.
عقد مفتوح مع الإذاعة
وبفضل النجاح الذي حققته تلك الأغنية وقعت إذاعة موريتانيا عقد عمل مفتوح مع حسن، لتتوالى بعد ذلك الأعمال الفنية، مثل أغنية “بالي حالف يمين” و”دوم يا الله” و”عام وشهرين” و”فرحة العيد” وغيرها.
وبلغت الأغاني التي لحنها فريد حسن أكثر من 30 أغنية، بينها مقاطع عسكرية عزفتها الفرقة الموسيقية بالجيش الموريتاني، ومقطوعات موسيقية للإذاعة، إضافة لأغان عاطفية وأخرى تغنت بالأماكن والمدن الجميلة التي زارها حسن، كأغنية “زين الشرق” وأغنية “تيرجيت”.
دراسة موسيقى البيظان
وإلى جانب تأسيس فرقة “الرشيد”، عمل حسن ملحناً لفرق فنية عريقة كفرقة الفنان الراحل سيمالي ولد همد فال، وفرقة أهل أيده، وفرقة محجوبة بنت الميداح، وفرقة أطار، كما قام بتدريب فرق للهواة أغلبها من الشباب وطلبة المدارس.
فضلاً عن ذلك، تعمق الفنان السوري في دراسة الموسيقى الموريتانية التي أسرته، واستولت على اهتمامه فتتبع جذورها الأندلسية باحثا عن عناصر الأصالة والتفرد والثراء فيها، ومحاولا دراستها واستقائها من منابعها.
وقد ساهمت أغاني حسن بشكل لافت في إثراء الساحة الفنية الموريتانية من خلال ابتكار مجموعة من الأنغام والإيقاعات والألحان الجديدة، فكان بذلك حاملاً للواء تحديث وتطوير الموسيقى الموريتانية والعبور بها نحو مرحلة جديدة، تكسر احتكار طبقة الفنانين التقليديين له.
ولتحقيق هذا الهدف، سعى فريد إلى تدريس الموسيقى بشكل علمي وتشكيل فرق غنائية حديثة من الموهوبين والهواة، وتدريبها على مختلف أنواع الأداء والعرض، وعلى استخدام آلات موسيقية جديدة.
ولا يزال الكثير من الموريتانيين الذين عايشوا تلك الفترة يرددون حتى اليوم كلمات أغاني فريد حسن وديمي منت آبه، ويحنون إلى هذه الفترة الذهبية. أما فريد البعيد عن موريتانيا جسداً، والقريب منها روحاً كما يقول، فيقيم حالياً بمنزله ببروكسل البلجيكية، لكنه لا يزال مسكوناً بمدينة نواكشوط التي ألفها وعاشت في وجدانه.
يلتفت فريد بكثير من الشوق إلى تجربته الفنية في موريتانيا التي غادرها نهائياً في العام 1990، ويحتفظ بما استطاع من أشرطة وتسجيلات وصور وذكريات محفورة في وجدانه تؤرخ كلها لمسيرته الفنية ودوره الريادي في تطعيم الموسيقى والغناء الموريتاني بنكهة شامية خاصة.