د..عباس إبرهام يكتب مقالا جديدا

جمعة, 12/16/2016 - 00:27

البارحة رأيتُ الإمام مالك. كان جميلاً. وعليّ الآن أن أقول إن هذا كان مفاجأة فقبل ذلك كان آخر شيئ فعلته هو العشاء في مطعم مكسيكي والسهر مع أصدقاء وقراءة صفحتين من ميلان كونديرا (Le rideau). إن أحلامي، بعكس تفكيري، ليست، عادةً، تاريخية. وفي التاريخ لم يكن الإمام مالك، لولا نورُ العلم، بالخصوص وضيئاً. والواقِع أن الإمام بدأ حياتَه مُغنِياً. ولكن والدته نصحته بالفقه، لأن الفقه، بعكس الغناء، لا يتطلّب طلعة بهية.

ونحنُ في الصّحراء لا نقبل بهذا. وجلّ جمالِنا، عِلمنا، موسوعيتنا، تسامحنا، بساطتنا، حِسّنا القانوني، وتحاكمنا للمعيارية، جاء من الإمام مالك. لا يوجد أجمل من الإمام مالك. وقبل الانقلاب الشافعي-الحنبلي كان الإمام مالك يُريد فِقهاً بسيطاً مستنِداً على الآثار النبوية، كما هي مُقتفاةٌ في المجتمع المَدني. والإمام، هكذا، هو أوّل صوفي. ولكنّه صوفي قانوني. وفقط في إفريقية والمغرب والصحراء غلّفنا الصلابة المالكية بالتلطيف الصوفي. ويُقالُ إن المالكية متشدِّدة. ولكننا في الصحراء صالحنا المالكية مع الليبرالية الصنهاجية. وفي اليسار استعدنا مالكاً ، لأنه وهو عُرضة للتحويرات العُرفية وللتجديدات السلفية ولديكتاتورية اللا تاريخية صارَ البعيد، الآفل، وصار الدِّينَ المُخصخَص.

علاقتي مع الإمام مالك هي أكثر تعقيداً. ولن أستوفيها بالمرة. وهي تُشبِه علاقة دريدا بالصلاة. فهو الأب. وأحياناً أحسّ أنّه يسمعنا. وأنه يمكننا مخاطبته. والبكاء على مخدّته مما جرى بعده. ومما فعله بنا السلاجعة والمماليك والأتراك وتجارة العبيد؛ ومما فعله بنا الفرنسيون؛ ومما فعله بنا كوبولاني وغورو وليوتاي؛ وما فتكت به بنا الشركات والمدارس الخصوصية وسيارات الدفع الرباعي؛ ومن الزي المشترك والدولة الوطنية والرأسمالية العالمية وكرة القدم. "بس أما تيجي وانا أحيكيني عَ اللي جرى. وامسح دموعي في منديلك ع اللي جرى". وهنالك إغراءٌ بتمسيحه وبتعميده وتطويبه. ولكنّه أيضاً أوديپ. بدون غيابه، وبدون تغييبه ما كان يمكن أن نكون ما نحن. ولكن بدون أن نكون ما أصبحنا لا يمكننا الشكوى إلى الأب، إلى الإمام مالك، مما صرنا. فالإمام، كما غيابه، هو شرط الشكوى. وغيابه هو شرط حضوره. وحضوره من غيابه.

استيقظَ مُحدِّثُكم مكلوماً. وحيداً في الظلماء، بلا إمام. بلا مُرشد. ضالاً. زائغاً. يتهادى، ولكن بلا هُدى. وقد استيقظَ وفي ذهنه أغنية قديمة عن الإمام مالك (في الرابط الاول).

فلتسامِحنا يا أبانا الذي في السماء.

الفيديو

تابعونا على الفيس