يتعيِّنُ أن أقولَ إنّني لا أحبُّ المقلّدِّين. ثمّ نّني أعرِفُهم من الوهلة الأولى. لا يفوتني اختلاسُهم للعبارة وللعبرة ونشلُهم للتركيب والفكرة ومُقاولتهم للصياغة والطرفة. وعليّ أن أخرجَ نظيفاً، كما يقولُ الأنجلوساكسون. فلا أحدَ يُقلِّدُني أبداً. حاشا لله. وكان لي فيما مضى مُقلِّدٌ واحدٌ. وحيدٌ وفريد. وقد طفحَ غيظي؛ ذهبتُ إلى مسكنِه واقتلعتُ وجهَه من جذوره ونشرتُ فدَنَه؛ ثم أفرغتُ ستّ رصاصات في رأسه ودفنتُ جُثّته في الباحة وذروتُ أرشيفه في الرياح. ورقصتُ الزوغلو في صالونه. ثم أهديتُ عودَ ثقابٍ حيٍّ لمنزله المبتل بالوقود. وعليّ الآن أن أعترِفَ في المحراب أنّني نادِم على قتله. ولكنها تدور: سعيدٌ بأن مُقلِّديَ انقرضوا.
لا أتصوّرُ أن شاعِراً يُعيدُ طبعَ ديوانه. ولا ريب أنه مجذوم ومطرود من الحرم الإلهي ومنقومٌ من بلاط الحُكماء وإلاّ لأنقذه تطوُّره الذوقي والأسلوبي من الاعجاب بماضي إنتاجه. الشاعرُ المُصطفى يتطوّر. الشاعر المنبوذ يُجمّد. إثنان يجترّان: البعير أو المُدوِّن النرجسي. فأما البعير فلأنه سفينة الصّحراء وأما المدوِّن النرجسي فلأن عقله جمد وانتهى تطوّره المعرفي.
وأعرِفُ ملتزِماً يزعمُ أنّه بلا أيديولوجية. وأعرفُ ناسكاً يسرق. وأعرِفُ نقابة ليبرالية أبوها الروحي الظواهري. وأعرِفُ عسكرياً جباناً. وأعرف مستشاراً ينفي إرهابه في المنابر الليبرالية ويفتخِرُ به في المنابر الجهادية. وأعرِفُ فقيها يكذب. وأعرفُ مُحدِّثاً يُترجِمُ هو إلى أنا وأنا إلى هو. وأعرِفُ من يزهو بسماحة الإسلام حيثُ ليس للإسلام قوّة ويرعد بعنف الإسلام حيث للإسلام قوّة. وأعرِفُ منتحلاً يُحاربُ الفساد. وكان كلّ همّي في صغري تحرير كتاب الأغاني من ظهر رئيس الجمهورية. أما الآن فالمهمة هي إنقاذ ظهر رئيس الجمهورية من أبي الفرج الأصفهاني. وإلاّ لفعل به الأفاعيل.
والحديث ذو شجون، ولو لم يقم الليل لأشبعتُك. على أن لك عندي غيرها. ولكلّ مقامٍ مقال.
توقيع: محموم