الحوّاش
-----------
مع ظهور الدولة الوطنيّة في موريتانيا ظهرت طبقة جديدة: المسؤولون الحكوميون الذين ينهبون أموال الدّولة. وسرعان ما بدأت اللهجة الحسّانية في محاولة إيجادِ اسمٍ لهؤلاء العباقرة. وقد بدا من الواضح ان مصطلح "الوّكال" لا يُفيدُ شيئاً، خصوصاً مع ظهور طبقة من الوكّالين والطّماعين في الحياة العادية. ولذا تمّ اللجوء إلى الحياة البرية للاستفادة من مصطلحاتِها. وقد سُميّ النَهّاب بالـ"اللكَاكَ". وكما هو معروف فإن "اللّكَـ" هو "الإفتراس" المتوحِّش الذي تقومُ به الضواري والسباع.
ومع الثمانينيات بدا واضِحاً أن المصطلَح لم يَعُد كافياً للتعبر عن الطبقة الطائعية الجديدة. فتمّ الاستعانة بقاموس الكوارث الطبيعية، وتمّ استِقدام مصطلح "حوّاش". ورغم أن الحوّاش بالحسانية هو ذلك الذي يجمع إلاّ أنه أصلاً يعني الجفاف والقحط، الذي لا يُبقى ولا يذر. وعندما يُقال إن "الدنيا ما جاها حوّاش" فمعناه أن الخيرات ما زالت موجودة. ولا تنتهي الخيرات، التي يُسميها البيضان بـ"الخير"، إلاّ مع دخول الحواش: القحط أو وزير المالية أو رئيس الجمهورية.
والواقِع أن الحوّاش صعد طبقياً ففي العصر العبّاسي كان يعني ذلك الذي يحتاشُ الصّيد، ويجمع جميع الطرائد. ومن الواضِح أن لهذا علاقة بالحَوْشْ، وهو باحة الدار أو أفنية المنازل وعرصات الدور وأمكنة القمامة. وبهذا االمعنى فالحَوْشُ هو من القذِر، ومن الدنس، ومن الاستثناء؛ ولذلك فقد صار التحشيء هو لفظ الاستثناء والتنزيه في الفصحى: حاشا لله، مثلاً.
والحقّ أن هذه أيضاً ضربة للشاعر الركيك، وشعراء "بوسوير" عموماً. فذلك هو الشاعر الذي يتبِّعُ حوشي الشعر أو يحوشُ المعاني السائدة حوشاً ويرِدُها مُشتمِلاً. والواقع أن العرب اعتبروا أن الحُوش هو مكان الجن. وقد ذهب البيضان إلى أن الجن هم "أهل الخلاء" أي أهل الحُوش والحوشات. كما أنهم يسكنون في القذارة، وخصوصاً في العظام البالية والشَّعر المَرمى في الحوش. وكما هو معروفٌ فإن العرب الأوائل اعتبروا الشعر، كما العبقرية، من إلهام الجن. وفقط مع دخول الإسلام واندثار التفوّق الثقافي للجن أصبح الحوش، بعد ان غادره الجن، مكاناً للغثاء والسّهل والركيك. وأصبح الشاعِر الحوّاش شاعِراً مُفسِداً ومبتذلاً.
والفرق بين الحَوّاش الحكومي والحُوّاش الشِعري هو أن الأول يَحوش "الخير" أما الثاني فيحوش "الشّر". الأوّل "لكَاكَْ" أما الثاني فـ"وَكّال". كلاهما مُفسِد. الأول مفسد للمُلكِية العامة؛ الثاني مُفسِدٌ للذوق.