ظهرت الفلسفة أول ما ظهرت في الحضارة اليونانية وكان لقب فيلسوف عصي التحصيل ولا يمكن أن يطلق على كل من هب ودب ، ففي هذه الحال هل يمكن أن نتخلى عن الفلسفة كفكر جديد لم يعرف إلا عند اليونانيين ؟ من هذه الناحية برزت نخبة من مؤيدي و معارضي الفلسفة فما هي حقيقة كل منهما ؟
شهدت الفلسفة صراعات جمة من بدايتها وحتى الآن إلا أن الصراعات قد قلت بعض الشيء عند ما ظهرت الفلسفة كنظرة جديدة وفكر جديد بهر العقول وأذهل المفكرين فلم تكن الردود من هؤلاء المفكرين إلا أن يرفضوا هذا الفكر الدخيل عليهم والذي لم يعرف في أسلافهم ومن أبرز من تصدى لهذا الفكر أصحاب الكنيسة وبدأ هؤلاء يدافعون عن شريعتهم بكل قواهم ، ويعتبر سقراط أول من نهج هذا الفكر الجديد ونال ما نال من أصحاب الكنيسة إلى أن قتل وقال أصحاب الكنيسة أن الفلسفة كفر وزندقة و لا ينبغي الاهتمام بها لأنها تخالف شريعتهم ، وهناك أيضا أبو حامد الغزالي الذي رفض الفلسفة وهاجم مؤيديها بشدة إلى أن وصل إلى تكفير بعضهم وأخذ الغزالي على عاتقه مهمة هدم كيان الفلسفة من الداخل وقد ألف في ذالك كتب عديدة منها " تهافت الفلاسفة و منقذ من الضلال ..." ، ومن الذين رفضوا الفلسفة كونت الذي رفضها وخاصة في حالتها الميتافيزيقيا وهناك نظيره فولتار الذي سخر من الفلسفة وخاصة الميتافيزيقا يقول : " إذا رأيت إثنان يتناقشان ولا يفهم أحدهم الآخر فاعلم إنما يتناقشا الميتافيزيقا " ويواصل سخريته قائلا : " إن الباحث عن حقيقة في الميتافيزيقا هو أشبه بأعمى معصوب العينين يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة لم تجد بها أصلا " فهؤلاء قد بدى موقفهم من الفلسفة وواضح أنهم يرفضونها بشدة ولكن هل أقتصر الأمر على ذالك بالطبع لا فما هي نظرة مؤيدي الفلسفة ؟
لقد ذهب هؤلاء على أن الفلسفة لا يمكن الاستغناء عنها البتة ويقول أرسطو " بأن الانسان خلق لكي يفكر ... " ففي هذه الحال يرى هذا الفيلسوف أن مهمة الانسان وغايته النبيلة كونه مفكرا ويشغل جمجمته وهذا هو دليل وجود الانسان كما عند ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " ومن أبرز مؤيدي هذا الفكر من الفلاسفة الاسلاميين الكندي فهو يرى بأنها لا تخالف الشرع وبأن مهمتهما واحدة ، وهنا أيضا الفرابي و ابن سينا اللذين يؤيدون هذا الفكر لكونه فكر شمولي وموسوعي و بأنهم في أمس الحاجة إليه ولا يمكنهم الاستغناء عنه وخاصة في الأمور المستخدمة أما أبو الوليد بن رشد فقد ذهب إلى أبعد من ذالك وقال بأن الله قد أمر بالحكمة في أيما آية نحو قوله تعالى : " فاعتبروا يا أولي الأبصار ... " وغيرهم كثير وبالنسبة له هي حكمة كما عرفها الحكماء " محبة الحكمة " ولذالك يرى هذا الفيلسوف الاسلامي بأنها لا بد منها كحكمة يحتاج إليها مجتمعنا وخاصة في النوازل التي تتجدد يوما بعد يوم ، فمع هؤلاء لا يمكن البتة التخلي عن الحكمة
وصفوة القول أن الفلسفة كفر وزندقة عند الرافضين ، وأما عند المؤيدين الاسلاميين وغيرهم فهي لا غنى للبشرية عنها ، و في خضم هذا الصراع بين مؤيد ومعارض ، هل نالت الفلسفة مكانتها اللائقة بها أم أنها كما وصفها فولتار لا حقيقة منها ولا فيها ؟