الفصل الأول:
فتحت الباب بعنجهية مخيفة, لاشيء في الشقة ينبئ بوجود أحد
غرفة الاستقبال مبعثرة بالكامل , السجادة ممددة فوق سطح التلفاز ,الطربوش المهترئ مرمي تحت الطاولة
في الزاوية الشرقية من الغرفة قطة من الواضح أنها متعودة على النوم فوق الكنبة المستطيلة , لاشيء هنا’ الشقة فوضى عارمة , الموسيقى الصاخبة تهز أرجاء الغرفة
إلهي ماذا يحدث هنا؟؟
البتول وحدها تتجول بقدمين مرتعشين ...
النافذة مفتوحة
شجرة الياسمين لازلت مصلوبة في مكانها .....
مستحيل !!
إنه أمر لا يعقل كيف يختفي بهذه البساطة ؟ كيف يفعل ذلك؟
شيء لا يصدق !
البتول تجلس على الكنبة بجنب القطة .... تعيد شريط الذكريات إلى الماضي ..إلى اللحظة المذهلة
اللحظة العصية على النسيان حين اعترف لها "الكابتن" بشعوره حيالها... حين أخبرها أنه مستعد لمواجهة العالم وخوض معركة غرامية لأجلها
نعم أخبرها بذلك وبكل ثقة ورجولية.
شريط الذكريات يقود الذاكرة إلى اللحظة الحاسمة , إلى مساء شتوي بارد تشعر فيه الطبيعة بنوع من الاعتزاز بالنفس و السماء ملتحفة بالغيوم
البتول قد انتبذت من أهلها رفقة أختها سارة مروجا شمال المدينة
كانت تحدثها عن لقائها الأول" بالكابتن" عن الصدفة التي جمعتهما ,عن كل كلمة جميلة قالها ,عن سعادتها وإحساسها بالأنوثة والضعف حين وقف أمامها وهي جالسة على لبنة أمام المنزل ..تلوك أظافرها
و أخبرها بجرأة أنه كان يراقبها وأنه..............أن....أنه
وتسكت البتول طويلا ...
سارة تلح عليها أن تكمل القصة ...البتول مشدوهة تحدق بعيدا !!
رجل قادم وحده كأبي ذر, قامته فارعة , ساعداه مفتولان
البتول وبابتسامة تتبعها جملة متقطعة..هاهو قادم ...نعم إنه هو..أقسم ياسرة
من ؟؟ هدئي من روعك هل جننت ؟؟من تقصدين ؟؟ !
إنه هو ياسارة إنه "الكابتن" الذي كنت حدثتك عنه
سارة تصرخ في وجهها لكن اهدئي قليلا لم أفهم شيء مما قلته
لابأس سأهدأ ...نعم سأهدأ ....بل سأتجاهله ...لنتظاهر أننا لم نلاحظ وجوده .
الكابتن وهو يرمي عود كبريت كان قد أشعل به سجارته الثالثة
إذكان قد قطع على نفسه عهدا أن لا يدخن إلا ثلاث مرات يوميا..
رفع رأسه
أبصر البنتين
اتجه نحوهما .
أه هذه أنت ماذا تفعلين هنا؟؟
البتول لا تجيب
السلام أولا قبل السؤال ... تقولها الأخت الصغيرة
الكابتن عفوا ليس من عادتي ألا أسلم... حقا أنا آسف كيف حالكن ؟
البتول كما ترى هانحن جالستان .. ..
تقاطعها الأخت... نواجه البرد بكل ما أمكن هي تواجهه بمعطف أبي وأنا...
تضربها البتول بظهر يدها ..فضحتني أيتها المجنونة...
ابتسامة عفوية بدت على وجه الكابتن وهو يمازحها قائلا سأجعل أباك يخبئ عنك ثيابه
هل تصدق هذه الحمقاء؟
نعم يصدقني تقول سارة
قهقهة ملأت المكان لثوان
البتول وأنت ماذا تفعل هنا؟
لاشيء كنت أتجول فقط أبحث عن "البابونج"
هل تحبه ؟؟.
.نعم أحبه
وأنا كذلك أحبه بجنون
وتردف البتول أحب أزهار الأقحوان كلها كان أبي يحدثني عنها وأنا طفلة آنئذ, وكان يحدثني عن شقائق النعمان وشجر الياسمين ,كان يحدثني عن كل شيء رائع .
عن قصر الخورنق وملوك الإفرنج عن سيف بن ذي يزن .
كان يقرأ لنا قبل الهجوع نوادر العرب وقصصا عن ملوك معين وكندة
كم هي جميلة رواية "استيفين ومجدولين" !!
هل تذكرينها يا سارة؟ قرأها لنا بابا .....
الكابتن يقاطعها بسخرية لطيفة ..وهل قرأ لكن بابا قصة "الكابتن العاشق "؟
البتول ربما لا أذكر
أشاحت عنه بوجهها الذي تبدو على سحنته ملامح خجل مفتعل
سارة منتهزة الموقف لتلاطف أختها الوحيدة والتي تخفي بين ضلوعها قلبا يتقلب على سعير الحب وجمر الكتمان...نعم أنا سمعت بتلك القصة أختي الكبرى حدثتني
هيا بنا ننهض لنعود إلى المنزل البرد قارس في هذا المكان
الكابتن يتأبط ثوب البتول بعد الجملة التي قالتها لأختها والتي ابتعدت عنهما قليلا..
ويهمس في أذنها لماذا أنت خجولة إلى هذا الحد؟
لما ذا تتهربين مني؟
الجواب صمت مخيم على الشفتين
إذن فليكن أنا أحبك رغم كل التحديات ومصر على أن أثبت لك ذلك
أنا أحب فيك كل شي ء دون انتظار شعور متبادل منك
أحبك ...
البتول في الغرفة المبعثرة تستعيد ذاكرتها التي شردت بعيدا إلى الماضي السحيق كغزالة مطاردة ..
تبا !لماذا أتعب نفسي بالتفكير فيه ؟؟
هو لم يعد يريدني رحل كالموتى دون أن يستأذن
رحل عن كل شيء ...
عن ضفائري التي لطالما توسدها ,عن خصري الذي كان يرتب عليه أفكاره ,عن....
ثم حملقت بالمرآة التي كان الكابتن زرعها في غرفته
صرخت ملأ فمها الذي أجدبت شفتاه حزنا
سحقا أهي لعنة سماوية؟ أم مؤامرة كونية ضد جسمي الذي يرتدي النحول؟
الله كيف يعقل أن يكون كلامه كله هراء وتخرصات وبهتانا علي أن أغادر هذا المكان ....
يتواصل
تنبيه: جميع الحقوق محفوظة