السلطة والإبداع في التحايل

خميس, 03/10/2016 - 02:38

الكاتب:  محمد الأمين ولد الفاضل

لقد أظهرت السلطة القائمة بأنها ذكية جدا، وبأنها قادرة على الإبداع في كل حين، وأنها تمتلك مواهب كبيرة في فن التحايل والخداع، ولتأكيد ذلك فسيتم استعراض ثلاثة أمثلة سريعة تكشف شيئا من هذه المواهب الخارقة التي تتمتع بها السلطة القائمة في فن التحايل والخداع.

 القاسم المشترك بين هذه الأمثلة الثلاثة هو أن السلطة القائمة

 

 قد اعتمدت في تحايلها وخداعها على أسلوب في غاية الذكاء، يرتكز على ما يمكن تسميته ب "التحايل بالتقسيط"، أو "الخداع بالتقسيط"، ولعل خطورة هذا الأسلوب تكمن في أن الضحية، وهو هنا المواطن، لا يشعر بما يتعرض له من تحايل ومن نهب ومن سرقة إلا بعد فوات الآن، ويعود ذلك إلى أن أسلوب "السرقة بالتقسيط" أو "النهب بالتقسيط"، لا يكون ضرره اللحظي واضحا، الشيء الذي يجعل الضحية لا يكتشف ما يتعرض له من تحايل و من سرقة إلا في وقت متأخر، والأخطر من ذلك كله هو أن هذا الأسلوب يجعل الضحية يقوم بتجزئة ردة فعله اتجاه ذلك التحايل والخداع، ويوزع ردة الفعل تلك إلى أقساط وأجزاء صغيرة بلا تأثير و بلا أهمية.

 إن هذه التجزئة تحول ردة الفعل إلى أقساط  من ردات الفعل الضعيفة، وهي تجعل المواطن لا يغضب غضبا كبيرا على السلطة مرة واحدة، وإنما يغضب عليها بالتقسيط وبالتجزئة، وبما يتناسب مع حجم أقساط تحايلها ونهبها الذي تقوم به، وهو ما يؤدي في المحصلة النهائية إلا تبخر غضب المواطن، وإلى ضياع وعدم فاعلية ذلك الغضب.

 هذه ثلاثة أمثلة سريعة قد تبين لكم مدى خطورة هذا الأسلوب الذكي الذي تعتمده السلطة القائمة في .

 المثال الأول: رفع أسعار المحروقات

 لقد سارع الرئيس الحالي إلى تخفيض أسعار المحروقات السائلة بعد انقلابه مستفيدا من التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط في الأسواق العالمية بعد انقلاب السادس من أغسطس. لقد انخفض سعر البرميل من 147 دولارا، وهو السعر الأعلى في التاريخ، وقد تم تسجيل هذا السعر في يوم 11 يوليو 2008، أي قبل الانقلاب بأقل من شهر. وبعد الانقلاب انخفض هذا السعر، وظل يتراجع  إلى أن وصل بعد خمسة أشهر من الانقلاب إلى أقل من 40 دولارا للبرميل. هذا التراجع الكبير في سعر النفط استغله الرئيس فأعلن عن تخفيضات متتالية في سعر المحروقات لتبرير انقلابه، ولكن، وبعد انتخابات يوليو2009، وبعد أن تم تشريع الانقلاب انتخابيا، بدأ الرئيس في زيادة أسعار المحروقات بزيادات بسيطة ومتتالية، زادت في مجموعها على ثلاثين زيادة، ورفعت سعر لتر المازوت عن سعره بعد الانقلاب بما يزيد على مائة أوقية.

 لم تغضب أي زيادة من هذه الزيادات المتوالية المواطن الموريتاني، ولم تجعله يخرج إلى الشارع في احتجاجات قوية، وذلك لأنه في كل مرة كان يتعامل مع هذه الزيادات البسيطة على أساس أنها لا تستحق أية ردة فعل، ما دامت في حدود ثلاث أو أربع أوقيات.

 ظل المواطن الموريتاني يتجاهل هذه الزيادات البسيطة إلى أن اكتشف في نهاية المطاف بأنها قد زادت في مجوعها على مائة أوقية. ولكم أن تتصوروا ردة فعل الشعب الموريتاني لو أن الرئيس كان قد قرر أن يزيد سعر لتر المازوت ب120 أوقية مرة واحدة. ما يقال عن أسعار المحروقات يمكن قوله عن أسعار بقية السلع والمواد الضرورية.

 المثال الثاني: خفض قيمة الأوقية

 ما حدث مع المحروقات السائلة من زيادة بالتقسيط، حدث شيء معاكس له مع الأوقية، والتي ظلت قيمتها تتراجع بنسب قليلة ومتتالية، إلى أن وصل ذلك التراجع في مجموعه إلى نسبة كبيرة ومقلقة.

 في بداية شهر فبراير من العام 2009 كان سعر الدولار 266 أوقية، وفي بداية شهر مارس من هذا العام وصل سعر الدولار لدى البنك المركزي إلى:339.7  للشراء و342.93 للبيع. هذا يعني بأن قيمة الأوقية ظلت تنخفض بنسب قليلة لم تستوقف المواطن الموريتاني، ولكن هذه النسب وصلت في مجموعها إلى نسبة مقلقة.

 فتصورا مثلا بأنه تم إشعاركم بأن قيمة الأوقية قد انخفضت بنسبة 30% مرة واحدة، أي أن الرواتب قد انخفضت بنسبة 30% ..تصوروا كيف ستكون ردة فعل المواطن..لقد تمت عملية تخفيض الأوقية بنسبة كبيرة، ولكن تلك النسبة كانت بالتقسيط، وبالتالي فإنها لم تستوقف المواطن، ولم تثر غضبه.

 المثال الثالث: التسريح الجماعي للعمال

 لا يكاد يمر أسبوع إلا وسمعنا عن تسريح مجموعة من العمال هنا أو هناك، ومع ذلك فلم تثر عمليات التسريح والفصل هذه أية ردود أفعال تذكر..صحيح أن كل مجموعة كانت تقوم بردة فعل تتفاوت من حيث الحجم، ولكن وفي المجمل، فقد بقيت ردود الأفعال تلك بلا تأثير وبلا أهمية.

 إن ما قامت به السلطة من رفع للأسعار بالتقسيط، ومن خفض لقيمة العملة، تقوم بشيء مشابه له في مجال تسريح العمال، فقد سرحت السلطة القائمة المئات بل الآلاف من العمال في السنوات الأخيرة، ولكن عملية التسريح هذه قد تمت تجزئتها إلى مجموعات صغيرة جدا لا تلفت الانتباه.

 عدم الاكتراث الذي تم التعامل به مع عمليات التسريح الجزئية هذه، هو الذي جعل السلطة تزيد من حجم المجموعات المسرحة، والتي أصبحت تصل في الفترة الأخيرة إلى المئات كما حصل مع خفر السواحل، ومع "تازيازت"، ومع أكبر عملية فصل في تاريخ الوظيفة العمومية في العقد الأخير، والتي سيتم بموجبها فصل 500 من العمال من قطاعي الصحة والتعليم.

 تصوروا كيف ستكون ردة الفعل لو أن عمليات الفصل والتسريح التي شهدتها السنوات الأخيرة قد تمت في وقت واحد؟ إن المسألة تتعلق هنا بجريمة كبيرة تتمثل في قطع أرزاق الآلاف من العمال، ولكن هذه الجريمة الكبيرة تم ارتكابها بالتقسيط مما جعلها تمر دون أن تثير ردة فعل تتناسب مع خطورتها.

 لمواجهة هذه الأساليب الخبيثة التي تتبعها السلطة فقد قررت مجموعة من المدونين أن تقوم بعملية إحصاء للمجموعات التي تم فصلها في السنوات الأخيرة، على أن تطلب من بعد ذلك من تلك المجموعات أن تخرج  في احتجاجات متزامنة، وذلك من أجل إظهار حجم الكارثة التي تعرضت لها آلاف الأسر في السنوات الأخيرة.

 حفظ الله موريتانيا..

الفيديو

تابعونا على الفيس