موريتانيا " براغماتية القبيلة وغياب حلم الدولة " ... الشيخ الحسن البمباري

اثنين, 02/22/2016 - 19:47

مثلت  القبيلة في المجتمع الموريتاني وغيره على مر العصور المنظم و الضابط العام للعلاقات داخل هذا الكيان الاجتماعي , و تمثلت مهمتها في توفير الحاضنة الاجتماعية و المالية و الأمنية لأفرادها . و كانت المتحكم في كل صنوف المخاطر و الخير التي يتعرض لها الفرد داخلها . و مع بداية ممارسة سلطة الدولة في موريتانيا خاصة بعد الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه  بدأت الدولة تسعى إلى تثبيت سلطها , و هو ما قزم نوعا ما من دور القبيلة خاصة بعد فقدانها السيطرة على الأرض و تدخل الدولة في مجال الرعاية "جفاف السبعينات" و تحرك المجتمع إلى المدن "مجال سيطرة الدولة على الفضاء و المجال الترابي و الإداري "القضاء و الأمن و الدفاع"".

هذه المعطيات مع أخرى  أبرزها عامل الانتخابات و الوظائف  دفعت إلى تشكيل تجمعات  تتميز بالمنفعة المتوحشة و الأنانية  و الآنية , و اختفت فيها تماما ملامح القبيلة كما عرفت في المجال العربي "العصبية الجينالوجية و المجال الترابي و الحل و العقد... " .

و اخذ هذا الكيان الجديد المتميز بالكثير من الديناميكية في التغلغل داخل مفاصل الدولة و مؤسساتها مشكلا حزاما داخليا بين المؤسسات و المواطنين , و مؤسسا  لنفسه علاقات تقوم على مبدأ الرعية مع مجموعة  من الناس ,من خلال شبكة من الوساطات و علاقات المعرفة مثلت ما يشبه دولة الظل وقبيلة المصالح , متجاوزا  بذلك أي شكل مؤسسي للدولة و أي نوع من العلاقة المباشرة بين الدولة ومن المواطنين . مبقيا الأخيرة كيانا مفصولا بشكل تام عن  دورها و مهمتها المتمثلة في إتاحة تكافئ الفرص بين المواطنين  من خلال حكم القانون , وبالتالي خلق الولاء للدولة في نفوس الشعب .

هذا النمط  من إعادة إنتاج دور القبيلة جعل الدولة تفشل في أن تكون مطلبا مجتمعيا وظلت حاجة نخبوية . خاصة إذا علمنا أن النخبة محليا رأس بلا أكسجين ومبتورة بشكل تام عن العامة لأسباب ثقافية و اجتماعية بالدرجة الأولى , وكون "الأنتليجانسيا العالمة" تمارَس عليها نخبوية دينية تحجم من دورها بشكل كبير و تعاملها كرعية  و إن مثقفة .

إن الرؤية أو القراءة الأولية لجسم الدولة الموريتانية تبدي نوعا من رفض الشعب للدولة و مخالفته لها . إلا أن حقيقة الأمر تقول إن هذا الشعب لم يعرف يوما الدولة و بالتالي هو عاجز عن تصور علاقته بها  و ويمكن قياس جهل المواطن للدولة من خلال ردود فعله, فهي جسم مفصول تماما عن " الرعايا المواطنين" [يعطي ولا يحتاج و تملك و لا تفقر و تقرب منها وتقصي ]. دونما أدنى تصور أن الحديث عن الدولة هو ببساطة النظر إلى  "إقليم و شعب و سلطة سياسية " فالدولة في موريتانيا هي دولة "الإقليم والسلطة السياسية" و إذا لم  نستطع إضافة الضلع الثالث الذي هو الأهم في عصر دولة المواطنة فان الخلل البنيوي في تصور الدولة و كيفية ممارستها لأدوارها مداها كمؤسسة داخل المجتمع و نظمه العصرية والتقليدية مستمر إلى يعي المواطن حاجته إلى الدولة "تصبح الدولة مطلبا مجتمعيا" و تعي الدولة مدى تغول القبيلة داخل مجال سيطرة الدولة نفسها .  

الفيديو

تابعونا على الفيس