شغلتني الصوارف أياما عن مطالعة بُرُد الأخبار ومتابعة متجددات عاصمة القتام؛ وحين عدت لتصفح بعضها راعني ما تتناوله من ضروب السُّخف والشناءة وتتداوله من مُمضّ الهُزء والسخرية، ترهات أسمار من قبيل: بيع الذنوب، وسويسرا المغرب العربي، وحرية نافت على فرنسا...؛ إلى ما هنالك من "مسائل النوْكى" وأفاكيه المغفلين.
أما السوأة السوآء فهي ما تقترفه أقلام نابتة من المستأكلين نجمت ذات مسغبة كالفطر النافج غِبّ الوبل، من كل رُويبضة مُحقبٍ الناسَ دينَه يقتات الفتات بالهجاء ويعتاش بالارتشاء، بعد أن غاض نائله إثر تهلكة العائلين.
أيا نابتة الموتورين!! إن هذه الكلمات ليست دفاعا عن إمام عَلم نصبتموه غرضاً للطعن بأقلامكم المسمومة بالسحت والبهتان، فما كانت تهويماتكم الشيطانية لتنال من مقامه المنيف وقامته المتطاولة على افترائكم القميء البذيء؛ بل هي رفع للعقيرة في الوجوه الشوهاء لأمثالكم من المستأكلين المتملقين، طاعمي مرقة "الحوايا وما اختلط بعظم" على موائد سلاطين الجمع والمنع.
أفكلما يبس الثرى بين أحدكم وولي نعمته الجنرال المختال تسور المحاريب على أئمة الأمة باسطاً إليهم لسانه الأفيك بالسوء والفحشاء طلبا للحظوة والازدلاف إلى الحكام؟!
أتراكم غركم إدمانكم مقاناة هُجر القول بفَجر الفعل فأصبحتم بُجْرَ الحقائب من عابٍ ومن ذامٍ؛ وصرتم نحوساً أشائمَ من سوائم "الشجرة الملعونة في القرآن"؟!
عذراً شيخنا الإمام وصبراً... فإن نابتة المستأكلين -لا لعاً لعاثرهم- يهرفون بما يعرفون استمتاعا بخلاقهم المألوف: أحاديث اقتناص المال السحت واقتنائه متاجرة بمداد الاستيثاب والاكتساب، فلا عجب أن وصموكم بما يعتلج في قلوبهم المريضة ومِعَدهم الجَوْعَى، مصدقين عليهم قالةَ العرب: "رمتني بدائها وانسلت"؛ فأنى لهم أن يقدروا لكم قدركم ويعرفوا لكم حقكم؟!! هيهاتِ هيهاتِ وأيهاتَ أيهاتَ.
عذراً أيها الإمام وصبراً... فإنهم ما اعتادوا قط رؤية علَم مثلكم يرتاد مناجع المنافع امتياراً لأمته واختياراً لملته، لا ليعتاش ويرتاش شاكلةَ علمائهم الذين ضيعوا "ثغور حقوق ما أطاقوا لها سَداً".
إنهم غيارى مما حزتموه من حَلْي أطواق العلم والعمل خدمة للدين الخالص، وحذرون من مباءتِكم بمزية وراثة التمثيل الناصع لأسلافنا أعلام الشناقطة الذين اجتابوا أجواز فضاء البسيطة، فملكوا قلوب الناس وخلبوا ألبابهم ثقافة وعفافة. أتراهم بذلك "يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"؟!
لا غروَ، لكن مهلا.. فـ"ما ذاكِ بالحزم ولا بالكَيْس"ِ. أيها النابتة!! أتأخذون على الشيخ سماحة خلقه ورجاحة علمه وسجاحة حلمه؟! لا جرم أنكم موقنون أن من بركة العرس أن يُبرم عقدَه هذا الإمام فلذلك يضرب إليه ملتمسوها آباط الإبل ابتغاءَ قنصها، وأن الحِكَم والأحكام إنما يطيب ثمرها ويزهو ينــْعها ويصفو حلَبها حين تمري كفه المباركة قوادم ضرعها الحافل المدرار ولذلك يتدافع عنده عُفاتها بالمناكب "والمنهل العذب كثير الزحام"، وأن حِلَق العلم وقاعات الدرس لا تزكو إلا بتسكاب فيض عوارف معارفه الربانية فلذلك يُجثى لديه على الرُّكَب ويحرص المجدون على مثافنته في المجالس.
وها أنتم أولاء تحسّون من كل ذلك غيرةً في نفوسكم المُدسَّاة وحسرةً ضاقت بها صدوركم ذاتُ الغِلّ، فلكم الرَّغام واصباً ما تعاقب القمران وحتى يؤوب القارظان.
أيتها النابتة!! إن الشيخ الإمام سيظل وليا مرشدا لمسيرة الأوابين التوابين، ولن يريم شجًى في حلوق الناكبين عن سبيل الرشد والهدى، يسوء بعلمه وحلمه كل عتل جواظ مستكبر، وستبقى ينابيع نفعه منبجسة في هذه الأرض الجُرُز المبتلاة بجحافل جراد إفسادكم المنتشر حتى أحالها كهشيم المحتظر.
مهلا مهلا.. ورويدا رويدا.. وعلى رسلكم يا ناحتي أثلة الإمام أياً كنتم، فقد نبأنا الله من أخباركم، ولن تجوزوا أقداركم القميئة حين تناطحون صخرة مجد أثيل أصيل في مُرتبع العلم والإيمان، ولن تنالوا منها توهيناً ما أطّت الإبل وحنّت النِّيب: ومن أنتم؟ إنا نســــــــــــينا من انتم وريحكم من أي ريـــــح الأعاصر؟ أُدرك أن ما بيننا وبين هؤلاء الطغام أربى من الشتيمة والسباب، فقد مردوا على التقول بالباطل استمراءً للزور وارتماءً في وهدة الإفك المبين بكل قول مبتذل وفعل مرتذل، متبارين في ارتغاء الأباطيل واكتتاب الأساطير. لكننا سنظل نبري سهاما ندفع بها في نحور جبابرة الحكام ومرتزقة الأقلام من كل متكفف جانــَب التعفف، فاتخذ عِرضه بضاعة للتَّجر وأسال مداده استيثابا للأجر.
وأقول لمن آنس جذوة القسوة في هذه السطور إن هذه النابتة لم تأت غير البذاءات والافتراءات على الذين يأمرون بالقسط من الناس، فلا طرحت أفكارا للمفاتشة ولا قدمت رُؤى للمناقشة، بل جاءت سبابا وشتائم وتقوّلا بالرجم وتخوضا في الإثم وتبييتا للمكائد في بؤر التآمر ومآرين السوء (كشف ذلك بالبراهين المدون الفخر الطيب ولد ديدي)، والله يكتب ويكشف ما يبيتون.
ولئن كان الإمام الددو في شغل بصناعة المجد الخالد عن الرد على تفاهاتهم وأحابيلهم الضعيفة كسَلَب الذباب، فإنه لن يكون دريئةً عزلاءَ لشُداة المناضلة بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، ما حملت هامَ محبيه أعناقٌ.
أما أنتم يا نابتة المستأكلين فلن تزالوا مدفوعين عن حياض الكرامة ورياض الشرف ما ارتميتم في حضيض مهانة الانزلاق في مهاوي النفاق، وارتويتم بآسن شوْب الارتزاق خشية الإملاق.
وتذكروا أن الجروح قصاص، وأن الحرمات قصاص، وأن في القصاص حياة، وأن البادئ أظلم وأطغى.