روصو جوهرة الاقتصاد وعاصمة الجنوب الموريتاني وبوابته المفتوحة على إفريقيا السوداء، ظلت تشكو على رغم أهميتها الإقصاء والغبن والتهميش عقودا مديدة من الزمن.
ويرجع محللو المنطقة وخبراؤها الأمر إلى استشراء النفاق السياسي في قياديي المنطقة ووجهائها، نفاق غطى على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأولويات المواطنين واختلط فيه الحابل بالنابل، لتركب العامة موجة النفاق هذه إرضاء لصناع النفاق السياسي من مطبلي الأنظمة ومداهنيها، فاستحقت بذلك روصو عن جدارة لقب (مركز صناعة النفاق السياسي)، واليوم وبعد مرور خمسة وخمسين عاما على الاستقلال وبعد أن أصبحت صناعة النفاق بضاعة غالية وسوقا رائجة في موريتانيا انتقلت روصو إلى صناعة جديدة عرفت لدى ساكنيها بصناعة الموت، صناعة ساهم فيها الغبار والدخان والبعوض والقمامة وشركات النقل وإهمال المسؤولين وعدم اهتمامهم بالمدينة وسوء تقديرهم لواقعها، مما خذّل مفاصل ساكنة المدينة وفتّ في أعضادها فطفقت جالسة لا تتحرك طلبا لتغيير أو استدعاء لحق مهضوم، وحال المدينة والساكنة: على وجه ميّ مسحة من ملاحة وتحت الثياب الهم لو كان باديا ألم تر أن الماء يــــكدر طـــعمه وإن كان لون الماء أبيض صافيا
على وجه مدينة روصو وتحت ثيابها همّ لو حُمّلته الجبال الراسيات لناءت بحمله، غبار ودخان يتعاقبان بانتظام تعاقب الملوان، نهار مغبر وليل مشبع بالدخان دخان تعددت مصادره فتناثرت داخل المدينة وأحاطت بها من جميع جهاتها إحاطة السوار بالمعصم مكبات النفايات ونفايات مصانع الأرز العملاقة من قشور متباينة الأحجام ومزارع أحرقها مالكوها لتخصيب الأرض وتهيئتها دون مراعاة لحالات الغير الصحية ودون أدنى وازع من أخلاق وقيم، أمراض الحساسية والتهابات الجهاز التنفسي والربو وأمراض الصدر يسجل مؤشرها ارتفاعا مضطردا، والسلطات الإدارية باردة برودة الثلج في تعاملها مع مثل هذه المشاكل رغم إلحاحها، لكنها حادة كالسيف إن تعلق الأمر بالجباية ومضايقة المواطنين، أما البعوض ففي المدينة حاضنات عملاقة له تمثلها المستنقعات المتناثرة في كل مكان داخلها، ويحصد البعوض سنويا أرواح العشرات من ساكنة المدينة.
وكما تستهين السلطات الإدارية بمشكل الدخان تستهين بغيرها أيضا، وفي عهد "البلدية ـ البرلمان" شهدت القمامة توسعا كبيرا وغزت أماكن لم تصل إليها من قبل في عهد العمد السابقين، مساهمة بذلك في انتشار أسراب البعوض بشكل مذهل وممهدة لظهور حالات وبائية من حمى الأمعاء والملاريا والإسهالات بمختلف أنواعها، والبلدية غائبة كما غابت الإدارة من قبل، ومن أفلت من براثن الدخان والغبار والبعوض من ساكنة روصو تكفلت بإزهاق روحه شركات النقل التي تولت كبر صناعة الموت، بسبب السرعة المفرطة والتنافس السلبي المحموم وغياب المسؤولية في صفوف سائقيها وتهاون السلطات في الأمر وعدم الجدية في متابعة هذه الشركات بما يضمن للمواطن أمنه وسلامته، وبسبب هذه الشركات خسرت روصو العديد من كوادرها وأطرها ومثقفيها وبسطائها ورجال أعمالها.
هذه حال مدينة روصو بعد مرور خمسة وخمسين عاما على الاستقلال أمن غائب وسرقات متكررة ومياه ملوثة وخدمات صحية جد متواضعة وحالة ثقافية يرثى لها وسلطات إدارية طغى صوتها على فعلها، فلم تعدُ برميلا فارغا أحكم إغلاقه.
روصو اليوم تستصرخكم لانتشالها من وهدة الضياع وانتزاعها من براثن الموت الزؤام في ظل واقع غامض ومستقبل مجهول وماض مشرق نتمنى عودته ونتغنى به « فهل إلى مرد من سبيل».