الاعتقاد الشائع بأن الشعر اللهجي ثقافة شعبية فلكلورية قاعدةٌ لها استثناء.. ذلك ما لخصته محاضرة بعنوان "تجليات الثقافة العالمة في الشعر الحساني" ألقاها الباحث في مجال الأدب والتراث الأستاذ
محفوظ ولد الفتى، في المركز الثقافي المغربي مساء الاربعاء .
المحاضرة
إن مظاهر الثقافة العالمة في الأدب الشعبي في بلاد "البيظان" لها خلفية حضارية تقربها إلى حد بعيد من الثقافة العالمة باتمائها الوثيق إلى العروبة والإسلام.. يقول الباحث.
لكن ذلك لم يكن وليد الصدفة.. "فالشعر الحساني أول عهده بهذه البلاد (أوائل القرن 9 هـ إلى أواخر القرن 11 هـ) كان محصورا تقريبا في الوسط الحساني، متخذا من تمجيد الأمراء وذوي البطولات وغيرها من الخصال أغراضا رئيسية له، على حين لم يزل الوسط الزاوي محتفظا بما ورثه عن دولة المرابطين من محافظة في التدين، ترفض الشعر عموما والحساني خصوصا قبل انتهاء حرب "شرببه" بين الزوايا وحسان أواخر القرن 11 هـ، وما تلا ذلك من نهوض المعارف وازدهارها في الوسط الزاوي، وانفتاح هذا الوسط على الشعر الفصيح، وإعادة تشكل مجتمع البيظان (زوايا وحسان) بالاحتكاك، بقدر من التداخل والتعاطي المعرفي والثقافي.
حينها "أخذ الشعر الحساني طريقه إلى الانتشار والتوسع في الأغراض في عموم ذلك المجتمع، فاحتوى المواعظ والمديح والابتهال ونحو ذلك، وأصبح منه إلى جانب الشعر الفصيح شعر تعليمي حساني تنظم فيه الأبواب والفصول والنوازل والفتاوى، واستمر حضور هذه المعارف والمضامين يتعزز ويزدهر في هذا الشعر على طريق المسار الثقافي للبلاد، إلى أن أمدنا بثروة طائلة من المعارف والآداب الراقية، نتعاطاها اليوم في مؤلفات ومرويات متسمة بقدر من الإفادة والإمتاع في هذا الفرع من ثقافتنا وآدابنا".