بدءا علينا أن نعترف بأننا نعيش في زمن الفتن، وفي زمن الفتن فإنه يكون من الصعب جدا، إن لم أقل من المستحيل، أن نصنف الأطراف المتخاصمة أو المتصارعة إلى فسطاطين: فسطاط خير لا شر فيه، وفسطاط شر لا خير فيه.
إنه علينا من قبل أن نتخذ أي موقف من الخلاف السعودي الإيراني
أن نستحضر بأننا نعيش في ظرفية تاريخية بالغة التعقيد، كثرت فيها الفتن وتعددت وتشعبت، ولذلك فإنه علينا من قبل أن نتخذ أي موقف مما يجري من حولنا أن نذكر بأنه لن يكون بمقدورنا أن نصف أي صراع يجري في منطقتنا إلى صراع بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر. الشيء الوحيد الذي يمكننا فعله هو أن نحاول أن نحدد نسبة الحق والباطل عند كل طرف، وأن نوازن بين تلك النسب من قبل اتخاذ أي موقف.
في ظل هذا التعقيد الذي تعيشه منطقتنا العربية والإسلامية يتنزل الخلاف السعودي الإيراني، ولذلك فإنه من الصعب جدا اتخاذ موقف حاسم وقاطع من هذا الخلاف، إنه علينا من قبل اتخاذ أي موقف من هذا الخلاف أن نحدد نسبة الحق والباطل عند كل طرف. إننا ندرك بأن صحيفة النظام السعودي قد ملئت بالأخطاء الكبيرة والفادحة والتي يصعب علينا أن نغفرها له، ويمكننا أن نذكر من بين تلك الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها النظام السعودي، والتي لا زالت منطقتنا تدفع فاتورتها الثقيلة : المشاركة في تدمير العراق؛ دعم انقلاب "السيسي"؛ خذلان المقاومة في فلسطين.
وإننا ندرك أيضا بأن صحيفة النظام الإيراني السوداء لا تخلو من نقاط مضيئة ومن انجازات هامة، لعل من أبرزها: أن النظام الإيراني وقف لفترة من الزمن في وجه أمريكا؛ وأنه دعم المقاومة في لبنان وعلى رأسها الحزب الذي كانت له مواقف وانتصارات مشرفة، وذلك من قبل أن يكشف ذلك الحزب عن وجهه الطائفي البغيض بتدخله في سوريا وبدعمه للطاغية "بشار"، تماما مثلما كشف النظام الإيراني عن وجهه الطائفي البغيض بتدخله في سوريا والعراق واليمن، وكذلك بأسلوبه المستفز الذي اختار أن يعبر به عن تنديده بإعدام "نمر النمر".
لا يمكننا أن نقول بأن صحيفة النظام السعودي ليست مليئة بالسيئات؛ ولا يمكننا في الوقت نفسه أن نقول بأن صحيفة حكام إيران خالية تماما من الحسنات؛ إن الشيء الذي يمكننا أن نقول به هنا هو أن خلاف السعودية وإيران ليس خلافا بين الخير الناصع والشر البين؛ ولا بين الحق الساطع والباطل البين . إن هذا الخلاف أو الصراع هو من ذلك النوع من الصراعات التي تفرض علينا أن نحسب نسبة الحق والباطل عند كل طرف، وأن نقارن بين تلك النسب من قبل اتخاذ أي موقف.
إن الأمر لفي غاية التعقيد.
ولأن البعض قد يرى بأن الموقف المحايد قد يكون هو الموقف الأسلم للخروج من هذا التعقيد، فلأصحاب هذا الموقف أقول بأنه لا يحق لأي منا أن يتخذ موقفا محايدا مما يجري الآن من خلاف وصراع بين إيران والسعودية، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن هذا الخلاف ستكون له انعكاسات على المنطقة بكاملها. إنه ليس من الحكمة أن تتعامل مع صراع ما بحياد إذا ما كنا على يقين بأن رياح ذلك الصراع لن تتوقف عند جدود الدولتين المتصارعتين، وحتى ولو افترضنا جدلا بأن السعودية وإيران هما وحدهما المعنيتان بذلك الصراع، ألن يكون من حقنا أن نذكر بأن أعظم مقدساتنا كمسلمين توجد في الأراضي السعودية، ولذلك فإنه لن يكوم بإمكاننا أن نتخذ موقفا محايدا من أي صراع تكون السعودية طرفا فيه.
ولأنه لابد لنا من اتخاذ موقف غير محايد من الخلاف أو الصراع القائم بين السعودية وإيران، فإن أرى بأن الموقف الأسلم لمواطن عادي مثلي يعيش في بلد كموريتانيا سيكون هو ذلك الموقف الذي يدعم ويناصر النظام السعودي.
ذلك هو موقفي من الخلاف السعودي الإيراني، ومع ذلك فإني أقول للنظام السعودي بأن إيران ستنتصر في نهاية المطاف، وبأن النظام السعودي سيخسر في هذا الصراع، وبأن كل الذين دعموه سيخسرون، إذا لم يسارع هذا النظام إلى تغيير نظرته وموقفه من ثلاث أمور في غاية الأهمية:
1 ـ أن يغير النظام السعودي من نظرته لأمريكا، وأن يقتنع ـ والتجارب تثبت ذلك ـ بأن أمريكا ليست حليفا يمكن أن يعول عليه، وخاصة في أوقات الشدة، ولذلك فإنه على النظام السعودي أن يبدأ ـ ومن الآن ـ بالعودة إلى عمقه العربي والإسلامي، وأن يبدأ بتشكيل حلف عربي إسلامي قوي للوقوف في وجه الأخطار المحدقة بالمنطقة وعلى رأسها: العدو الصهيوني؛ أمريكا؛ الإرهاب؛ التمدد الشيعي ..
2 ـ أن يتوقف النظام السعودي، وبشكل فوري، عن محاربة التيارات الإسلامية المعتدلة، فمحاربته لهذه التيارات لن تؤدي إلا لمزيد من النفوذ الشيعي والداعشي في المنطقة. وأن يتوقف علماء السعودية عن تعصبهم المذهبي، وعن محاولة فرض مذهبهم على غيرهم من المسلمين.
3 ـ على النظام السعودي أن يشرع في إصلاحات سياسية متدرجة، وهذه ليست دعوة لأن تقيم المملكة نظاما ديمقراطيا، ولكنها دعوة لأن تبدأ في إصلاحات سياسية لم يعد بالإمكان الوقوف في وجهها، فالوقوف في وجه تلك الإصلاحات سيضعف الجبهة الداخلية، وربما يؤدي إلى انفجار الأوضاع، وإلى خروجها عن السيطرة، مثلما حدث في بلدان عربية عديدة.
حفظ الله موريتانيا..