موند أفريك :تكشف تمويل الغرب للإرهاب في الساحل الأفريقي

جمعة, 12/25/2015 - 09:37

تعتبر عديد الدول الغربية؛ مثل ألمانيا والنمسا وكندا وهولندا وفرنسا وإيطاليا، من أبرز مصادر التمويل بالنسبة للحركات الإرهابية، حيث إنها تدفع مبالغ مهمة كفدية لإطلاق سراح رعاياها من قبضة المجموعات الإرهابية بالساحل الصحراوي، وبذلك شكلت هذه الأموال مصدراً مهماً لتمويل الإرهاب في هذه المنطقة.

تلك المنظمات التي تمتد مناطق سيطرتها من موريتانيا إلى تشاد، مروراً بمالي والنيجر، تعرف جيّداً أن أمن رعايا الدول الغربية يمثل أولوية قصوى، وتحت هذا المبدأ، فإن الغرب يدفع من أجل تحرير مواطنيه مبالغ تفوق عشرات الملايين من عملة اليورو.

في بعض الأحيان، تؤخذ الدول الغربية قيمة الفدية من أموال الشعب، عبر صناديق مهيأة للخدمات السرية، وهذا تقريباً ما وقع في عام 2010م عندما تفاوض الوسطاء مع "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي"؛ بهدف تحرير الفرنسي بيار كامات، بعد أن قضى ثلاثة أشهر في أسر التنظيم في شمال مالي.

وفي بعض الأحيان الأخرى، تدفع الشركات التي يعمل بها المخطوفون قيمة الفدية، ومثال ذلك ما وقع في فبراير 2011م، عندما دفعت شركتا أريفا، وفينشي، بعد مفاوضات طويلة، 13 مليون يورو لإطلاق سراح فرانسواز لاريب، وجان كلود راكوتوريلالاو، وأواندو ألكس العاملين لدى الشركتين.

وقد تكرّر نفس الشيء، في أكتوبر 2013م، عندما دفعت شركتا أريفا، وفينشي، قرابة العشرين مليون يورو لتحرير 4 رهائن من عمّالها.

وغالباً ما يتم دفع تلك المبالغ عبر وسيط ثالث، وهذا ما وقع في عملية تحرير عائلة مولان فورنييه، التي تم فك أسرها في فبراير 2013م شمال الكاميرون، عندما أراد الرئيس الكاميروني بول بيا إرضاء حكومة فرنسا، فقام بتسديد تعويضات مالية بقيمة 15 مليون يورو للخاطفين.

وبحسب المرصد الجغرافي السياسي والإستراتيجي للساحل الصحراوي، والذي يقع بمدينة باماكو، فإن الدول الغربية دفعت ما يقارب 150 مليون يورو للحركات الإرهابية الواقعة بمنطقة الساحل، في الفترة ما بين سنتي 2011 و2014 كفدية لإطلاق سراح 38 رهينة.

بل تجاوز الأمر هذا الحد، حيث تدفع الدول الغربية مبالغ استباقية للمجموعات الإرهابية حتى لا يتعرضوا لرعاياها، فقد قال الصحفي الموريتاني لمين أولاد سالم: لقد تأكّدت من هذا بنفسي، عندما أخبرني عمر ولد همام التابع لحركة من أجل الوحدة والجهاد بغرب أفريقيا، رغم أنه لم يحدد قيمة الأموال، لكنه أكّد أنها تدفع للمجموعات الجهادية بهدف حماية رعايا الدول الغربية.

غير أن مبالغ الفديات لا تذهب كلها للإرهابيين، ذلك أن أجزاء منها تضيع بين أيدي الوسطاء غير المعلنين عادة، ما سبّب عديد الإشكاليات، منها التي وقعت بين شركتي أريفا، وفينشي من جهة، ووكيل الخدمة السرية الفرنسي جان مارك جادولي من جهة أخرى، والذي أكّد للشركتين أنه دفع مبالغ مهمة للوسطاء.

ويؤيد هذا القول وسيط سابق في دول الساحل قام في الماضي بوساطة لإطلاق سراح 7 رهائن من شركة أريفا، كانوا مختطفين في النيجر، حيث قال: إن الوسطاء مضطرون للتعامل مع زعماء القبائل المحلية، وبالتالي يجب أن تدفع لهم بعض المال بين الفينة والأخرى، كما أن هناك مصاريف أخرى تخصم من الفدية مثل التنقل والغذاء وغيرها من المصاريف.

وفي جميع الحالات، فإن الأموال التي تصل لأيدي الإرهابيين تبقى مبالغ مهمة تفي بالغرض وتلبي أهدافها، فعلى عكس العراق وسورية، فإن الفدية هي المصدر الرئيس لتمويلات الحركات الإرهابية في منطقة الساحل، التي تصرف لتعزيز أنشطتها الإرهابية واقتناء أسلحة جديدة ووسائل نقل تتناسب وبيئة الصحراء، خاصة سيارات "التويوتا 4 × 4".

كما أنهم يصرفون بعض المال بهدف اقتناء وسائل اتصال تعمل عبر الأقمار الصناعية، من نوع "ثريا" المتوافرة في دول الغرب الأفريقي، مثل الجزائر وليبيا وموريتانيا، والمستوردة خاصة من دبي.

كما أن جزءاً من تلك المبالغ يخصص لتجنيد مقاتلين جدد، خاصة أمام عجزهم عن الانتداب عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعدم توافر الإنترنت بصفة دائمة لدى عامة الناس، فإنهم يستخدمون المال لتشجيع الشباب على الانضمام لصفوفهم.

ويقول صحفي مالي، مختص في الجماعات الإرهابية: في وقت ما بشمال مالي كان يدفع للشاب 100 يورو لينضم لصفوف الجماعات الإرهابية، وهو مبلغ كافٍ لإقناع أي شاب هناك.

أما في نيجيريا مثلاً، فإن "بوكو حرام" تقدم 450 يورو ودراجة نارية لكل منتدب جديد؛ ما جعل الآلاف من شباب نيجيريا يلتحقون بتلك المنظمة المتطرفة رغم عدم اقتناعهم بأفكارها.

ولكسب تعاطف السكّان، خاصة الطبقة الشعبية منها، تقوم الحركات الإرهابية باستثمار جزء من أموال الفدية في تجارة التجزئة، مثل تجارة السكر والزيت والملح والطحين والوقود، كما أنشؤوا في شمال مالي محلات تجارية بتعريفة منخفضة بالنسبة للمواد الاستهلاكية الضرورية.

وبعد تعقب الحركات الإرهابية والتضييق عليها من قبل الأمم المتحدة، فقد أغلقت تلك المتاجر، ولكن السكان يتحدثون عنها اليوم بنوع من الحنين، ذلك أنهم مضطرون لمواجهة غلاء الأسعار، التي يفرضها التجار المحليون والذين لا يلتزمون بالتسعيرة "الحلال" ولا يراعون القدرة الشرائية للسكان.

وقد كوّنت المنظمات الجهادية في المنطقة علاقات اجتماعية جيّدة وتغلغلت في قلوب السكّان؛ ما جعلها تستفيد من تعاطفهم معها فيما يعرف بـ"المنطقة الرمادية" بشمال مالي الخارجة عن السيطرة، لتحافظ على حركيتها وقدراتها القتالية هناك، وتوجه ضربات موجعة ضد قوات الأمم المتحدة في المنطقة.

وتقوم الحركات الإرهابية بهجمات متعاقبة ضد بعثات الأمم المتحدة في شمال مالي، ومنها الهجوم الذي وقع في 20 نوفمبر 2015م بنزل راديسون بلو في قلب باماكو.

ورغم أنه لا يمكن إنكار أن العمليات العسكرية "سيرفال"، التي انطلقت في يناير 2014م، وحملة "بركان" الجارية الآن، في إطار محاربة الإرهاب، قد أضعفت الحركات الجهادية، ولكن هذا لا يعني أنها غير قادرة على زعزعة استقرار دول منطقة الساحل الصحراوي.

وقد أثبتت عديد الأحداث التي وقعت مؤخراً أن الإستراتيجية الأمنية لم تتغلب على التهديد الإرهابي، ولذلك يجب أولاً التوقف عن دفع الفديات للمنظمات الإرهابية، واعتماد القرار (2253) لمجلس الأمن.

وقد تفهمت دول منطقة الساحل هذا الأمر، لذا هي الآن تحاول توحيد مواردها وقدراتها للعمل بصفة منظمة ومشتركة، في إطار ما يعرف بمجموعة "جي5 آس" والتي تضم موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر والتشاد.

الرابط: اضغط هنا

                                          نقلا عن المجتمع

الفيديو

تابعونا على الفيس