جرائم انواكشوط عنوانها الفقر/ دداه محمد الأمين الهادي

خميس, 12/10/2015 - 16:20

في الدراسات قاطبة يقف الفقر سببا رئيسيا للجريمة بشتى أنواعها، إضافة لعوامل أخرى متعددة، وثيقة العلاقة بالفقر، منها التفكك الأسري، والاختلاط التفاضلي، والأمية، والمناخ السيء ، والمخدرات، والأسباب العرقية، وفي ذات الوقت يكون بعض الغنى سببا في تطور وانتشار جرائم مختلفة منها جرائم

ذوي الياقات البيضاء، وهم أشخاص تؤهلهم ظروف عملهم للقيام بجرائم معينة.

وفي هذه الكتابة سنتحدث من وجهة نظر خاصة بنا، مستقاة من دراستنا وتخصصنا في العلوم الجنائية، وعلم الاجتماع عن جرائم انواكشوط، مكتفين بتحليل الواقع الموصوف إعلاميا وواقعيا، الذي ينم عن حالة عامة من الانفلات الأمني، تعبر بدورها عن واقع معاش من البؤس والحرمان، يتنامى يوما بعد يوم، منذرا بسيناريوهات سيئة، قد تهدد الأمن والسلام الوطنيين في موريتانيا.

يؤكد رئيس الجمهورية السيد محمد/عبد العزيز في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الفرنسية حل المشكلات الأمنية بشكل يقارب 100%، وفي مقابلة مماثلة مع الرئيس السابق أعل محمد/فال مع وسائل إعلام سينغالية وفرنسية يؤكد الأخير أن موريتانيا في أسوء حالاتها الأمنية، فهي بحسبه تشكل مركزا لإيواء المتطرفين، كما أن مفهوم الأمن الشمولي غائب عن وعي السلطة الحالية في البلاد.

في صبيحة اليوم الموالي لكلام الرئيس محمد يحرق منزل أسرة في كارفور مدريد، وتقتل سيدة في السوق المركزي بكبتال، ويسطى على محلات في أسواق أخرى، وتحمل بعض حاويات النقود من بعض  المحلات، وتقع هذه الجرائم على مقربة من حدث أشاد به الإعلام الرسمي، وهو إمساك مجموعة لصوص سطت على سكان تيارت، ودار النعيم، وبحوزة تلك المجموعة كثير مما خف حمله وغلا ثمنه، وبعد الامساك بتلك المجموعة تطالعنا الصحافة بأزمة أخرى في سوق "التبتابات" بتيارت، فقد سطت عليه مجموعات مسلحة، حملت منه ما يقارب المليونين، ومنذ أيام قتل أحدهم في التراحيل بسبب 10 أواق-حسب إعلامنا.

الجرائم أعلاه تنم عن مجموعة من الأمور الأساسية، التي يمكن الحديث عنها كاستنتاجات وخلاصات مستقاة من وقائع:

أولا: يمكن الحديث عن غياب المفهوم الشامل للأمن، وكلام الرئيس اعل محمد فال في محله، ولا غرابة، فهو مدير أمن سابق في حكم أمضى 21 سنة، هو حكم الرئيس معاوية-الخير، وقد مارس مباشرة مهام الأمن، وحضر الكثير من الندوات والطاولات المستديرة والمنتديات في السياق، والتكوينات في المجال، وله ثقافة تطبيقية ونظرية في المجال.

إن ما يحدث ببساطة يعني غياب المفهوم الشمولي للأمن، فكل وزارة، وكل مؤسسة تعيش حالة من العجز عن القيام بمهامها الموكلة إليها، وفي المحصلة تكامل في الفشل، المالية تعاني، والداخلية تعاني، والبيئة تعاني، والعدل تعاني، والثقافة تعاني، والشؤون الاجتماعية تعاني، والصحة تنزف، والتعليم محشور في أزمة "الطوبيس"، والشؤون الإسلامية تستنهض همم الحركات الصوفية، ووزارة الشباب والرياضة تعيش صراع أجنحة ... إلخ.

وليست الرئاسة إلا حالة تجلي للمشكل العام، ولا تزال الصحافة المحلية تتحدث عنها بإسهاب، خاصة في موضوع هدايا الهواتف الصينية.

ثانيا:  الأزمة أزمة فقر مدقع، فالجرائم التي انتشرت في الآونة الأخيرة كلها تقع بسبب الحاجة في بلد تنتشر فيه دعارة الحاجة إلى جانب السرقة، فالمجرمون يريدون المال قبل كل شيء ومستعدون تماما للقتل من أجله، بل إن بعضهم –كما يظهر في المحاكمات- يدافع عن حقه في أن يسرق، لأن البلد في نظره مسروق كله، والقانون لا يطبق إلا على أبناء الفقراء.

ثالثا: الاصرار على العودة للجريمة، بحيث أن معظم مرتكبي جرائم انواكشوط بحسب الخبراء في الجريمة المحلية هم أصحاب سوابق، ما يعني فشل السجن كمؤسسة إصلاحية، ونجاحة كمدرسة عليا تخرج المجرمين.

جرائم انواكشوط تظهر في وقت تم فيه توشيح كافة طاقم وزارة العدل، على نجاحه في تحقيق العدالة، وتأدية مهامه بالشكل المقلوب!

رابعا: معظم المجرمين من الشرائح الهشة، ومن الشباب:

من الشرائح الهشة لأنهم من أوساط الفقر، حيث تعشش الأمية، والتفكك الأسري، وتكثر العشوائيات، ويغيب الأمل في الغد، ولا مستقبل لشرائح عريضة من مجتمع يعيش جله في التراحيل، ولأنه بلا مستقبل غالبا يلجأ للمخدرات والحشيش، ويمكن تعميق هذه النقطة، لكن ليس الآن.

هم شباب من الشريحة التي تؤطرها وزارة الشباب، وتهتم بها اهتماما بالغا- الكثير من الكلام والتبجح!

خامسا: تراجع دور المؤسسات الأمنية، التي كانت تقوم منذ أيام باستعراض سيارات "تويوتا" في انواذيبو، حتى أصبحنا نعتقد أن شركة تويوتا موريتانية، أو أنها تدفع للدولة الموريتانية مقابل الترويج لها، وربما استدعى الأمر تحقيقا كالذي دعت له بعض الدول، التي تعاني من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلديه الكثير من "تويوتا" أثار شكوك العالم.

على أية حال الجريمة تبدو عصية على البلد بشرطته، ودركه، وحرسه، وعسسه، ومنقاره، و"مصغاره".

ولأن الجريمة ازدادت شعبيتها في الشباب على ما يبدو، فإن العجز عن مواجهتها يكاد ينطبع بطابع الحتمية، فحين تهب أحياء كاملة بسبب الفقر والأمية وغياب برامج الإصلاح، فإيقافها يحتاج مجهودا مضاعفا، قد لا يتوفر لدى بعض الدول الإفريقية، التي يصمم سادتها على نهب خيراتها كاملة غير منقوصة، ويتركون للشعب الفتات، والتفرج على التلفاز، والمحظوظون من الشعب هم مجموعة تجتمع في ندوات وطنية، تشرب مع ناهبي الوطن كأس عصير ليمون على قطعة بسكويت يابسة حد التحجر، وياله من يوم لا ينتهي الحديث عنه عند "البشـ " و"المنظـ"، -يا إلهي أعوذ بك أن أزل.

سادسا: المحاكم الدولية حتمية قادمة، فالشعب الموريتاني قد يطالب الأمم المتحدة بفتح محاكمات دولية بغية معرفة من يقف وراء تجويع الشعب الموريتاني، حد أن تكثر السرقات، ودعارة الحاجة، ومن هم الناهبون الحقيقيون للثروة الوطنية، الذين يقومون بجرائم إبادة جماعية بسبب نهب الثروة الوطنية، وإخضاع شعب كامل لظروف قسرية بسبب الجوع والمرض والوساطة والمحسوبية والتهميش.

هذا الكلام قد يكون سابقا لأوانه، وقد لا يكون مهما الآن، لكنه سيكون مهما لدى أجيال موريتانيا القادمة قبل غد، والواعية بأن الشريعة والقانون في موريتانيا تم تطويعهما لخدمة المصالح الخاصة بالاستبداد بجميع أصنافه وأشكاله.

ولعل الطريف هو أن معظم الموريتانيين لم تعد لديهم القناعة بأن الحرب المحلية على الفساد مجدية، أو بأنها أمسكت بتلابيب المجرمين الحقيقيين، أو الكبار، لقد أمسكت بسارقي غيض من فيض مسروق، وبناهبي قطرة من بحر منهوب، وبالمحتوين على ورقة من غابات أمازون اختفت كلها.

سابعا: تعتبر الحالة الموريتانية الراهنة دليلا قاطعا على فشل دولة الفرد الواحد الأوحد، وامتدادا لحلقات من التاريخ المظلم للبشرية حيث ابينوشي، واتشوسيسكو، وبوكاسا، وحتى هتلر على جلالته، وموسيليني على قوة شكيمته، والقذافي على أنه أحسن السيئين.

لقد تراجعت الحقوق قبل الحريات، وتم طرح معادلة جديدة في موريتانيا، قوامها تشويه الحقوق، فلا يأكل الناس، ولكنهم يتكلمون، وفي مرحلة ثانية "صم بكم عمي فهم لا يبصرون".

ثامنا: الحوار الوطني جر للمعارضة من بطونها، ولولا نوايا بعض زعماء المعارضة الطيبة لأصبحت مجموعات من المافيا والكاوبوي، أو لارتمت من اللحظة الأولى على المائدة، تفتح عبوات الكوكاكولا والماوتيندو، وتقضم آخر وجبات كوزو نوزو وأغلاها على الإطلاق، إن لم يأخذو لها منهج "اشلاطه"، فيغرقونها في طبق بصل وطماطم.

إن جو الجريمة والفقر المدقع تصلح فيه مائدة الحوار، ولو على مشوي فراشات الضوء طعما لاقتناص كبار السمك في بحر عانى شباك الصين.

على الحوار الحقيقي أن يكون حاليا حول "الجريمة والفقر في موريتانيا"، قبل أن نفقد في الجريمة زعيم معارضة، أو يتم اغتصاب زوجة أحد أقطاب الأغلبية، أو على الارجح أن تغتالها يد الجريمة العصاباتية، كي لا أقول المنظمة، أو هما معا.

تاسعا: ثمة غياب للكفاءات القادرة على العمل من أجل مكافحة الجريمة، لأن الدولة الحالية تخلصت من الأطر والكفاءات ذات الخبرة، ونضجت فيها مجموعات الوساطة والجاهلية الجهلاء.

أضف أن قطاعات الأمن ذاتها تعاني من الفقر، ومعظم عمالها يعيلون أسرا كبيرة ممتدة، فيها الإبن والوالد والجدة، ويرتهنون 30% من رواتبهم للبنوك، ما يجعلهم لا يتقاضون غالبا إلا حدود 40000 أوقية أو 50000 أوقية، وفيما عدا العيد الوطني للاستقلال لا تراهم إلا في ثياب بالية جدا.

وعلى الدولة تحسين ظروف هؤلاء، كما عليها إعادة تنظيم اقتطاعات البنوك من الضرائب الربوية، والفوائد المرابحية، بل عليها إلغاء مرارات ومراباة البنوك نهائيا، وجعل اقتطاعات البنوك لا تتعدى نسبة مئوية قليلة في المرابحة، من أجل إعادة تقسيم الدخل.

الفيديو

تابعونا على الفيس