لم تختلف توشيحات 28 نوفمبر 2015 عن توشيحات السنوات الماضية، ولذلك فإنه من حقنا أن نعيد طرح نفس الأسئلة التي كنا قد طرحناها في السنوات الماضية: من أين جيء بهؤلاء الموشحين؟ وكيف تم اختيارهم؟ وبِمَ تميزوا عن غيرهم من الموظفين حتى يكرموا؟
إننا عندما نتأمل في لائحة الموشحين في "نواذيبو"
بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني فإننا سنكتشف الحقائق الصادمة التالية:
1 ـ يمكن لمن اتهم في وقت سابق بالفساد وبسرقة المليارات أن يتحول ـ بقدرة قادر ـ إلى مواطن مثالي، وأن يتم توشيحه بوسام رفيع في ذكرى الاستقلال، ويمكن ـ في المقابل ـ لمن تم توشيحه بأعلى وسام أن يتحول في وقت لاحق إلى مفسد كبير، وإليكم ما يؤكد صحة هذا الكلام: في احتفالات 28 نوفمبر 2009 تم توشيح رجل الأعمال "محمد ولد بوعماتو" بوسام "كوماندز"، وبعد ذلك بأقل من أسبوع تم اعتقال ثلاثة من كبار رجال الأعمال بتهمة سرقة أموال طائلة فيما عرف حينها بملف البنك المركزي، وكان على رأس هؤلاء الثلاثة رجل الأعمال "محمد ولد نويكظ" والذي سيتم توشيحه في يوم 28 نوفمبر 2015 بوسام فارس.
تم توشيح رجل الأعمال "محمد ولد بوعماتو" بوسام "كوماندوز"، وسيتم اتهامه من بعد ذلك التوشيح بالفساد، وإن كان "ولد بوعماتو" قد نهب مالا وأفسد فقد فعل ذلك من قبل توشيحه، فهو من بعد توشيحه سيترك البلاد ولن يكون من المتاح له أن ينهب خيراتها. أما فيما يخص رجل الأعمال "محمد ولد نويكظ" فمن المؤكد بأنه لم يعتذر للشعب الموريتاني عن الأموال الطائلة التي قال الرئيس عزيز بأنه كان قد سرقها، فكيف يمكننا أن نتفهم توشيح مفسد لم يعلن توبته أمام الملأ ولم يعتذر للشعب الموريتاني؟ وكيف لنا أن نتفهم أن يتهم بالفساد من كان قد تم توشيحه بأعلى وسام؟
لقد كان "ولد نويكظ" مفسدا في المأمورية الأولى، وتم توشيحه في المأمورية الثانية، ولقد أصبح "ولد بوعماتو" مفسدا في المأمورية الثانية، وذلك بعد أن كان قد تم توشيحه في المأمورية الأولى.
2 ـ إن مما يثير الاستغراب أيضا، أن يتم توشيح رجل الأعمال "محيي الدين ولد أحمد سالك" مدير مؤسسة النجاح للأشغال الكبرى التي كانت قد تولت تشييد المطار، فمن المعروف بأن هذه الشركة كانت قد أثارت جدلا كبيرا، فالصفقة التي منحت لها كانت صفقة مريبة، وتعثر هذه الشركة وتأخر تسليمها للمطار لعامين كاملين، ومنح قرض لها من طرف شركة "اسنيم" بدلا من تغريمها لأمر مريب، ورغم كل ذلك فقد تم توشيح مدير هذه الشركة المثيرة للريبة بوسام ضابط، ولم يكتف الرئيس بتوشبحه فقط، بل شكره في خطاب الاستقلال، وربما تكون هذه أول مرة تشكر فيها شركة خاصة في خطاب الاستقلال.
3 ـ اللافت في الأمر أن عمال شركة "اسنيم" تم تغييبهم بشكل كامل عن التوشيحات في أول حفل للاستقلال يتم تنظيمه في مدينة "نواذيبو"، وللتذكير، وحسب علمي، فإن عمال هذه الشركة لم يتسلموا حتى الآن راتب شهر كان قد تعهد لهم به الرئيس في الاتفاق الذي تم بموجبه إنهاء إضراب عمال هذه الشركة.
لقد تم حرمان شركة "اسنيم" من التوشيحات، وذلك في الوقت الذي منح فيه وسامان لشركة يتفق الجميع على فسادها، وعلى تردي خدماتها..لا شك أنكم عرفتموها، إنها الشركة التي توزع الظلام على الموريتانيين، إنها الشركة الوطنية للكهرباء.
4 ـ بعد عام من "الاهتمام" بالتعليم، وبعد "سنة التعليم" التي استنفر فيها هذا القطاع، فإنه لم يوشح معلم أو أستاذ أو أي موظف في إحدى وزارات التعليم، وهو ما يعني بأن العاملين في قطاع التعليم من أساتذة ومن معلمين ومن موظفين لم يبذلوا في "سنة التعليم" أي جهد يؤهل أي واحد منهم لأن ينال توشيحا في أول ذكرى للاستقلال تأتي من بعد "سنة التعليم". إن غياب هذه الوزارة، وغياب عمالها عن التوشيح ليؤكد لنا بأن عمال هذا القطاع لم ينجزوا شيئا مذكورا في عام التعليم.
5 ـ القطاع الذي نال نصيب الأسد هو قطاع المال والأعمال فقد تم توشيح ثلاثة من رجال الأعمال، هذا بالإضافة إلى توشيح وزير المالية. أما القطاعات الحكومية التي لها صلة مباشرة بالفقراء فلم تجد نصيبا من توشيحات "رئيس الفقراء" في الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال.
لقد كان من المفترض برئيس الفقراء أن يخصص كل التوشيحات لهذا العام لعمال قطاع الصحة، فهذا القطاع قد حقق قفزات نوعية في السنوات الأخيرة إن صدقنا الرئيس عندما قال بأن مرضى بعض الدول المجاورة قد جاؤوا إلى مستشفياتنا طلبا للعلاج!! رجاءً لا تذكروننا بحمى الضنك ولا كيف تعاملت معها وزارة الصحة، ولا تذكروننا بأفواج مرضانا الذين يسافرون يوميا إلى السنغال والمغرب وتونس طلبا للعلاج. إننا سنصدق بأن مرضى الدول المجاورة قد أصبحوا يأتوننا بحثا عن العلاج، سنصدق ذلك إن توقف كبار المسؤولين عن الذهاب إلى مستشفيات الدول المجاورة للعلاج من أمراض بسيطة جدا.
6 ـ هناك طائفة أخرى كانت محظوظة، ونالت نصيبا كبيرا من التوشيحات، وهي طائفة كبار الضباط المتقاعدين فقد تم توشيح أربعة من هؤلاء الضباط المتقاعدين، ولا يقتصر حظ كبار الضباط المتقاعدين على التوشيح، بل إن حظهم قد أصبح يجلب لهم وظائف من بعد التقاعد، وقد أصبحت رئاسة جل الاتحادات والروابط حكرا لهم دون غيرهم، ويمكن أن أذكر على سبيل المثال: رئاسة اتحادية المنمين؛ رئاسة رابطة العمد الموريتانيين؛ رئاسة اتحادية المزارعين..إلخ
7 ـ لعل التكريم الوحيد الذي جاء في محله هو أن الرئيس كان قد وشح معنويا "العجائز"، وذلك عندما أعلن عن تكفل الدولة بعلاج من تجاوز منهم الخمسة والسبعين عاما ( في العادة، وفي بلد كموريتانيا ما يزال فيه متوسط العمر منخفضا، فإن أغلب هؤلاء العجائز سيكون بحاجة إلى الدعاء، وإلى أن يزار في قبره أكثر من حاجته إلى توفير الدواء). لقد وشح الرئيس العجائز معنويا، عندما وعد بالتكفل بعلاجهم، وذلك ربما يكون تكفيرا عن إساءة سابقة للعجائز، كانت قد جاءت في خطاب سابق، على هامش مهرجان كان الرئيس قد نظمه في وقت سابق، وفي المدينة ذاتها.
حفظ الله موريتانيا..