د. سامي القباني
لطالما قدر العلماء أن التوتر كثيراً ما زاد المشكلات الصحية الراهنة تعقيداً، لكنهم اكتشفوا أخيراً أن التوتر يسبب تغيرات في حالة الجسم تؤدي إلى حدوث أمراض لم تكن موجودة.
وأن التوتر المزمن والشدة النفسية، لا يؤديان إلى تفاقم الأمراض الموجودة بجسم الإنسان وحسب، بل ويتسببان –من ذاتهما- بأمراض وعلّات مستقلة كذلك!
فالجسم يضخ هرمون الأدرينالين، ومن ثم الكورتيزول، في مجرى الدم كردة فعل فورية منذ بداية الشعور بالتوتر، وهذه هي عادة الجسم لحماية حياة الإنسان منذ آلاف السنين، حيث إن اندفاع الأدرينالين فور الإحساس بالتوتر من شأنه أن يقي الإنسان من المخاطر المحيطة به، لكن تكمن المشكلة بالخطورة الكبيرة التي يسببها الإفراز المتواصل لهرمون الكورتيزول.
فعلى الرغم من الوظائف الهامة للكورتيزول كمضاد للالتهاب، إلا أنه يعتبر هرموناً ضاراً عندما يتم إفرازه بشكل مستمر في حالات التوتر المزمن، لأن الخلايا تمتنع بعد فترة عن الاستجابة للهرمون، مما يؤدي إلى تفاقم حالة الالتهاب.
وفي ما يلي نعرض أهم الحالات المرَضية التي يمكن أن يتسبب بها الضغط النفسي الطويل الأمد:
أولاً: زيادة الوزن والسكري
تعمل الهرمونات التي ينتجها الجسم في حالة التوتر على تحفيز رغبة الإنسان في تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والنشويات والدسم.
كما يتسبب التوتر النفسي (بالإضافة إلى هذه المشاكل في عملية الأيض) بارتفاع مقاومة الإنسولين في الدم، مما يؤدي إلى صعوبة أكسدة الدهون، وكلتا الحالتين تؤديان إلى تكديس الشحوم في الجسم بشكل أكبر.. كما يؤدي ارتفاع مقاومة الإنسولين لداء السكري عند المؤهبين له كما هو معروف.
ثانياً: اضطراب وصعوبة النوم
يشعر الإنسان الذي يعاني من الضغوطات النفسية بصعوبة كبيرة في النوم، وكذلك يعجز عن الرجوع إلى النوم في حال استيقظ ليلاً، وهذه المشكلة يعاني منها كبار السن خاصة، لأن ساعات النوم تقل مع التقدم بالعمر.
ثالثاً: الزكام
أجرى الدكتور شيلدون كون أستاذ علم النفس بجامعة كارنيغي ميلون في مدينة بيتسبرغ مع زملائه، دراسة هامة عام 2012 على 276 شخصاً من البالغين المتمتعين بصحة جيدة، طُلب منهم استرجاع الأحداث العصبية التي مرت بهم، ومن ثم عُرِّضوا للفيروس المسبب للزكام.
وبسبب معاناتهم من التوتر أصبح جسمهم مقاوماً للكورتيزول، مما جعلهم أكثر قابلية للإصابة بالمرض.
رابعاً: الصعوبة في التئام الجروح
يتأخر التئام الجروح وتقل فاعلية اللقاحات عند ارتفاع نسبة الكورتيزول، خاصة لدى كبار السن ممن يسهرون على راحة أفراد عائلتهم.
خامساً: أمراض القلب
عرف العلماء، و منذ قديم الزمان، أن هنالك رابطاً وثيقاً بين التوتر والإصابة بالأزمة القلبية، ولكن مازال هذا الرابط مبهماً نوعاً ما حتى الآن.
وفي شهر يونيو/ حزيران الفائت نشرت مجلة (Natural Medicine) دراسة على فئران التجارب سلطت الضوء فيها على هذه الظاهرة، وتبين فيها وجود علاقة بين إفراز الكورتيزول والاصابة بنوبات القلب.
سادساً: القرحة الهضمية
بقي الأطباء يعزون القرحة الهضمية (في الإثني عشري والمعدة) للضغط النفسي طوال خمسين عاماً، ولكن في عام 1983 اكتشف الباحثان الأستراليان وارن و باري مارشال، أن المسبب الحقيقي للقرحة هو نوع من أنواع الجراثيم (البكتيريا) يدعى (H.Pylori)، ومع ذلك بقي معظم الباحثين يوجهون أصابع الاتهام نحو التوتر كمسبب أساسي للقرحة.
ومع أن العلماء لا يزالون في خلاف حول هذا الأمر، إلا أنهم متفقون جميعاً على أن التوتر له ضلع في كل الأمراض المصنفة على أنها أمراض هضمية التهابية مزمنة، مثل الحرقة الهضمية وعسر الهضم والتهاب القولون القرحي، وداء كرون، بالإضافة إلى كون التوتر عاملاً أساسياً في حدوث متلازمة الأمعاء الهيوجة.
سابعاً: آلام الظهر والرقبة والكتفين
يؤدي الجلوس لفترات طويلة أمام شاشات الحواسب والهواتف النقالة إلى الإصابة بآلام في الرقبة والكتفين والظهر، خاصة إذا ترافق هذا مع الإجهاد الذهني وقلة الحركة.. وتسوء هذه الحالة خاصة عند المتقدمين في العمر، كما تزداد شدة هذا الألم ومدته عندما يكون مصحوباً بالشدة النفسية.
ثامناً: الاكتئاب
تتسبب نوبات التوتر المتلاحقة في الإصابة بالاكتئاب، فهي تؤدي إلى فقدان السيطرة على نظام النواقل العصبية في الدماغ، كالسيروتونين والدوبامين والنوربينفرين، فتغير من نسب هذه النواقل، مما ينعكس سلباً على الشهية والنوم والرغبة الجنسية.
* تغلب على التوتر
هناك الكثير من الوسائل التي يمكن أن تعتمدها لتخفف أو تتخلص كلياً من التوتر بنفسك، نشرح أهمها في ما يلي:
1- التمرينات الرياضية
أكد باحثون من جامعة برينستون Princeton أن النشاطات الجسدية تعزز قدرة الدماغ على مواجهة التوتر، وهذا متوقع، لما للرياضة من تأثير حميد على نفسية الإنسان وتحسين صحته والتخلص من وزنه الزائد ورضاه عن ذاته.
2- الانضمام لجمعية تجمع بينك وبينها اهتمامات مشتركة
أظهرت دراسة أجريت بجامعة نيويورك أن التوتر يخف بشكل كبير لدى من ينتمون إلى مجموعات تقدم لهم الدعم المعنوي. فالانضمام الى جماعة مؤلفة من أشخاص لهم الاهتمامات نفسها أو يعانون الشكوى ذاتها، ويلتقون كل أسبوع لتبادل المشاعر والملاحظات، من شأنه أن يوفر الدعم النفسي لجميع الأعضاء.
3- الاعتناء بالنباتات (البستنة)
بينت دراسة هولندية أن قضاء 30 دقيقة يومياً في العناية بنباتات الحديقة، كفيل بالتغلب على التوتر والسيطرة على مستويات الكورتيزول في الدم، إضافة لكسب القدرة على التحكم بالمزاج.
4- اعتماد التأمل الذهني أسلوباً في العلاج الذاتي
وهي طريقة ثبتت جدواها في دراسة حديثة أجريت في جامعة كارنيغي مليون في بيتسبورغ، توصلت إلى أن التأمل الذهني لمدة 25 دقيقة فقط لثلاثة أيام متتالية، كفيل بزيادة قدرتك على التحكم في الضغط النفسي. ولا حاجة لتطبيق التأمل على طريقة "زين Zen " البوذية، فبالإمكان اعتماد طرق بسيطة يمارس فيها التنفس العميق مع توجيه الذهن لكل ما هو محبب للنفس، بمجرد أن يدهمنا التوتر أينما كنا. وتدخل الصلاة والعبادة، ورياضة اليوغا، والاستماع إلى الموسيقى الهادئة، في إطار هذه الطريقة.
5- التخلص -قدر المستطاع- من المشوشات اليومية
فالأجهزة الرقمية كالهواتف الذكية والحواسيب والألواح الرقمية تساعد على تصعيد حالات التوتر، خصوصاً أنها باتت بديلاً عن نمط حياتنا الطبيعي، وأصبحنا الآن عاجزين عن التخلص من التوتر الذي تسببه لنا، بحسب رأي بروس مكوين، عالم الأعصاب في جامعة روكفيلر في نيويورك.
فمثلاً بإمكانك أن تطلب من معارفك عدم الاتصال بك في ساعات الليل، وأن تحدد وقتاً كافياً كل يوم تمتنع فيه عن استخدام الهاتف النقال وأجهزة البريد الإلكتروني.. ثم نظم وقتك بحيث يستوعب حصصاً للعائلة والأصدقاء وممارسة الرياضة والهوايات، وتجنب وضع جهاز التليفزيون في غرفة النوم، وحدد البرامج التلفزيونية التي ترغب بمشاهدتها، وخصص زمناً لكل منها لا تتجاوزه.