"اذهبوا فانتم الطلقاء"هذا هو الحلم الذي راود العبيد السابقين وبعض المهمشين في موريتانيا و غيرها فحصلوا عليه بموجب مرسوم رئاسي في عهد الرؤساء السابقين و في فتاوى صادرة عن مجموعة من العلماء في عهد الرئيس الحالي , تعتبر أن أي ممارسة تحمل طابع "العبودية" ليست شرعية وعدى عن السؤال هل يعني هذا أن الممارسات العبودية السابقة كانت شرعية ؟.
فاني أفضل التركيز على لماذا لم يتغير وضع هؤلاء الأرقاء السابقين و من في شاكلتهم , إن الحرية و الديمقراطية و المساواة والمكانة و العدل و القانون ...الخ ليست أشيئا تؤكل أو تشرب و إنما هي شعور يحسه الفرد و يعيشه في حياته اليومية و تعاملاته الآخر.
و من هنا بالتأكيد تتجلى مشكلة الأرقاء السابقين . فعلا قيل لهم "اذهبوا فانتم الطلقاء " و خذوا حريتكم و لكن أي حرية هذه لا تحمل إلا مفهومها الأجوف الفارغ بلا رأس مال ولا تعليم ولا مكانة فالذين تحرروا من الاستعباد فإنهم خضعوا لاستعباد اخطر و أسوء هو استعباد السوق و المشَغلين الجدد فهم أكثر قسوة حتى من الاستعباد نفسه , و ببساطة من حصلوا على الحرية أو اخرجوا من الاستعباد خرجوا دون الحصول على بدائل ولا على فرص حقيقية في الحياة و هو ما دفع العديد منهم للعودة إلى السادة السابقين بالرغم من رفض السادة حتى لعودتهم في بعض الأحيان.
ما هو ضروري لتحمل هذه الحرية معنا ها انه يجب أن يتوفر ما يعكس قيمة هذه الحرية من حرية اقتصادية بالدرجة الأولى والإشراك في التنمية لضمان الاستدامة في مجال الحرية فكلمة حرية بلا معنى إذا لم يكن معها (حق الاختيار و القدرة على الاختيار وملكية وسائل هذا الاختيار و وسائل مستديمة للحفاظ على هذا الاختيار ليكون حرا حقا ...) .
و دونما إغفال لمسألة التعليم الذي يعد مفتاح للمكانة فان الولوج لم يعد مشكلة بحد ذاته بل الاستمرارية هي العائق الأكبر أمام هذه الشرائح التي لا تجد قوتا لأنفسها فلماذا يطلب منها الصبر على التعليم في وقت هي أكثر حاجة إلى جهدها العضلي منه إلى العلم و المعرفة و _إن كان هذا التصور خاطئا بالطبيعة _ولكن ليس حسب التصور العامي لهؤلاء الذين لم يعرفوا يوما قيمة للعلم إلا لأناس ولسماء بعينها (وقد نتوقف هنا عند الوساطة في المسابقات العمومية كأكبر عائق في الفترة الأخيرة على تحمس هذه الشريحة للتعليم ) حيث يعاني اغلب حملة الشهادات _مهما كان نوعها_ من بطالة اكبر من غيرها من الشرائح (مع انه لا يجب أن ننسى ضعف التكوين و اللغات و التدريبات الحرة عن التعليم النظامي التي لا يملكون وسائل الحصول عليها).
مسالة الحرية في المجتمع ليست القول أنت حر فحسب بل القدرة على تغيير القوالب الاجتماعية و النظرة الناتجة عنها , وتجاوز هذه المحددات في بعدها الاجتماعي على أساس انه "قبل أن تقنع الناس أنهم ليسوا عبيدا اقنع المجتمع وقادته أولا بأنهم ليسوا كذالك " ثم بناء تنمية اجتماعية حقيقة تقوم على الاستثمار في البشر و ليس الحجر و تجعل الإنسان أي إنسان هو قطب الرحى في العملية التي يجب أن يكون أول خصائصها الشمولية و اللاتميز على أي أساس , عندها فقط يستطيع الإنسان "معرفة نفسه بنفسه حسب مقولة سقراط " وتبدأ المصطلحات الناتجة عن ترف التنمية تأخذ مكانها بشكل تلقائي في هذا البناء الاجتماعي من قبيل الحرية.. المساواة.. الديمقراطية ..القانون.. العدالة.. المدنية و التطوع (لا يمكنك أن تطلب من الناس التطوع في وقت هم بأمس الحاجة إلى جهدهم لأنفسهم ... الخ من المصطلحات التي باتت هي عماد المجتمعات الحديثة .
و إن كنا في العالم الثالث نقع في خطأ و ضع الصورة في الإطار وتعليقها على الجدار ثم محاولة تحميضها بعد ذالك لتتضح معالمها , فكل الاتفاقيات الدولية في الحقوق والحريات لا قيمة لها دون بناء تنمية اجتماعية حقيقية لأنه ببساطة (الجياع لا يسالون الحرية و لا والديمقراطية ولا وضعهم الإنساني أو حرية التعبير و المساواة وإنما يسالون عن لقمة العيش أو شربة الماء و لا يهم أي شيء أخر ).
و بالتالي فان دولنا هي دائما ما تكون دولة كومبرادورية معلقة لا علاقة لها بالواقع المعيش تسن قوانين وتشريعات للمواطنين (الغربيين ) و ليس للرعايا الذين يعيشون في هذه الدول .
"بركم كم من الشعب الموريتاني يعرف أو يسال عن قانون حرية التعبير أو الملكية الفكرية ... الأمثلة كثيرة؟"