من واقع سفري إلى بلدكم الأول عالميا، الولايات المتحدة الأمريكية تعلمت الكثير، عن الواقع، وعن الفوارق بين الشعوب، تلك الفوارق التي كانت ولا تزال تؤرق الضمير العالمي.
وفي الخلاصة أني شاعر موريتاني، مفتش رئيسي في وزارة، عضو في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وكاتب في الصحف الأليكتروتية.
وقد رافقني حلم التعرف على أمريكا منذ زمن، وأعددت العدة وحلقت لساعات بغية قضاء عطلتي السنوية في الشهر المنصرم، واصطدمت بالمطار، بمطار دالاس واشنطن، فتشت كما يفتش اللصوص، ومنعت الاتصال بخارج المطار، ووضعت علي أسئلة كثيرة، فهمت منها أن الولايات المتحدة خائفة جدا، حتى من الشعراء والفنانين والكتاب والمبدعين والخلاقين.
لم ترع في حالتي الولايات المتحدة كوني بذلت-وأنا منحدر من البيئة الآدرارية التي رآها آري لاندري- أي شيء، لم ترع ظروفي كمسافر مرهق، وكسائح تحصل على الفيزا بطريقة شريفة، وقطع تذكرة ذهاب وعودة من أجل السياحة لا غير.
كانت أشيائي مبعثرة على ركن النافذة B، وكأنها وجهتي المقصودة، ينادى علي للأسئلة من حين لحين، دون راحة، وأنا الذي عبرت حدود موريتانيا والسينغال في يوم 3/أكتوبر/2015، قاطعا المسافة بين انواكشوط وداكار برا، وفي الليلة ذاتها حلقت من مطار سيدار سينغور ، بعد دخولي طوابير طويلة، أمضيت فيها 4 ساعات، ثم بعد 8 ساعات من التحليق وصلت واشنطن دالاس، وهناك بدأت كوابيس الرحلة، فأمضيت 12 ساعة في تحقيق إداري شبه جنائي، أكل أعصابي المحترقة، وتم ترحيلي بشكل قسري بعدها لأمضي 8 ساعات أو تزيد في الجو، قاصدا داكار مرتين بين عشية وضحاها، وفي السينغال أمضيت 5 ساعات على المطار بحوزة الأمن، يسألني ما قصتك مع أمريكا؟ فأجيبه لا أدري، وأسألهم: هل في المحضر الأمريكي شيء عني؟ فيجيبون: لا!
لقد وجدت في أمريكا قدرا من إهانة الروح، وإرهاق الجسد، وضاعت نقودي في السراب، ورجعت أدراجي، مرهق الأعصاب مضطهدا، لأتلقى صدمة ثانية، لا أدري مداها، فقد كتبت لسعادة السفير آري لاندري، بعد قراءة سيرته الذاتية في الأنترنت، آملا منه الرد والتواصل حول قضيتي لرد الاعتبار، وطاعنا في تصرف إدارة الهجرة، وحتى الساعة ما زلت في انتظار رد منه.
وقد كونت ملاحظات مهمة عن أمريكا، بل عن مطار دالاس الدولي، أجملها في النقاط التالية:
• لاحظت احترام الشهادات الجامعية، والثقافة، من خلال نمط محسوس في المعاملة بدأ بعد أن شاهدت شرطة المطار شهاداتي العليا؛
• لاحظت اهتماما بآدمية الإنسان من خلال حرص الشرطة على أن تقدم الطعام والشراب للمستجوبين، وكذا حرصها على السؤال عن الظروف الصحية؛
• لاحظت تعاليا على الأفارقة في بعض النظرات والعبارات النابية، التي تنم للمنظور إليه عن نمط من الدونية؛
• لا حظت أن حرية التنقل المنصوص عليها في المواثيق والصكوك الدولية في أمريكا، وفي حالتي خصوصا كانت حبرا على ورق؛
• لاحظت بعض المساس بكرامة الآدمي، فحين طلبت مكانا للراحة من سفر يقارب يومين برا وجوا لم أجد تجاوبا؛
• لاحظت تقاربا بين اللصوص والسواح في بعض المعاملات، ولو أنهم وضعوا الأصفاد في يدي لكان السيناريو اكتمل؛
• لاحظت أن المحاضر التي من حق المداس على حقوقه أن ينال منها نسخته لم أجدها، مع أن شرطة المطار وعدتني بذلك؛
• لاحظت أن المثقف في حالتي لا تقدر ثقافته تقديرا يتناسب مع وزنه في حقل الثقافة والمعرفة؛
• لاحظت المبالغة في التعاطي مع بعض الأمور، فثمة إساءة للسلطة، حيث تم منعي من السفر لأمريكا لمدة مبالغ فيها، خاصة أنني لست مجرما، ولا لصا.
لقد كنت أفضل أن أبقي على فكرة أساسية، مفادها أن في العالم الحر احتراما لا يتقهقر ولا يتبدل للإنسان كإنسان، وعدت أدرجي وأنا أتساءل: أين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وأين العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟ وأين اتفاقيات عدم الميز؟ وأين الاتفاقية الدولية لتجريم المعاملات المهينة والقاسية واللاإنسانية والحاطة بالكرامة؟ ...
هم يشبهوننا في العالم الثاني، يشبهوننا في العالم الثالث، هم يدوسون الحقوق والحريات العامة، ولديهم البيروقراطية والروتين، هناك وهنا عندنا.
تلك ملاحظاتي العامة، ومن يوم 13/10/2015، وأنا في انتظار رد لا يصل من سفارة الولايات المتحدة .. رد لا أكثر ولا أقل!