هل وصل تنظيم "داعش" إلى السعودية؟ وهل تخوفات الرياض من التنظيم كانت حقيقية؟ وما مدى خطورة التنظيم على الوضع الأمني في المملكة؟ وكيف سيؤثر تواجد التنظيم هناك على الحرب ضده؟
يستدل من تصريحات وزارة الداخلية السعودية الأخيرة بأن منفذي الاعتداء على الأقلية الشيعية في منطقة الإحساء بالمملكة أوائل الشهر الجاري مرتبطون بتنظيم "الدولة الإسلامية"، الأمر الذي قد يشكل نقلة نوعية في سياسة الرياض باتجاه التصعيد ضد التنظيم إقليميا ودوليا.
ومن المعروف أن السلطات السعودية تحرص بشدة على مراقبة تحركات الأفراد الخارجين عن طوعها. ولعل ضبط الوضع الأمني يشكل حجر الأساس لاستقرار البلاد سياسيا واقتصاديا.
تهديدات "داعش" للسعودية
تعلم الرياض أن التهديدات التي قد تنبع عن تنظيم "الدولة الإسلامية" تفوق تلك التي عانت منها المملكة بفعل هجمات تنظيم القاعدة سابقا، وذلك لشراسة التنظيم في تنفيذ مخططاته كما يتضح من المعارك على الأرض في العراق وسوريا. ليس من باب الصدفة شرعت السعودية ببناء سياج للسيطرة على الحدود الشمالية مع العراق ومنع أي مخاطر محتملة. العراق الذي يشهد قتالا شرسا تشكل حدوده منبعا أساسيا للمسلحين في المنطقة، خصوصا وأن تنظيم "الدولة الإسلامية" يسيطر على مناطق واسعة من البلاد التي يتخذ منها موقعا أساسيا لانطلاق عملياته العسكرية.
استطاعت السعودية إخماد التصاعد للأنشطة المتشددة في العقد الأول من القرن الحالي بتتبع تنظيم القاعدة وملاحقته، لكن المخاوف تتجدد اليوم مع تواجد الجماعات الجهادية كتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا أو جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في زرع أفكار متطرفة بين السعوديين تجعلهم يشنون موجة جديدة من الهجمات داخل البلاد.
عملية الإحساء
فاجأ تنظيم "الدولة" السلطات السعودية، وبدى هذا جليا في تخبط السطات بتصريحاتها إزاء الهجوم في منطقة الإحساء. هناك قتل سبعة أشخاص بالرصاص في الـ 3 من نوفمبر/تشرين الثاني في يوم عاشوراء. تبدأ التحقيقات وتطول بسبب قلة الأدلة وتخرج وزارة الداخلية لتقول إن متشددين كانوا يحاولون مهاجمة السعودية دون ذكر "الدولة الإسلامية" أو التنظيمات التي ينتمي إليها المهاجمون.
تعاود السلطات ترتيب تصريحاتها بشكل آخر بإعلانها في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عن اعتقال 77 مشتبها بهم وأنه يعتقد أن من بينهم مهاجمي منطقة الإحساء بعد تلقيهم أوامر من الخارج عن كيفية وتوقيت وتحديد مكان تنفيذ الهجوم.
يقول بيان لوزارة الداخلية إن الأمن تمكن من ضبط وثائق ووسائل اتصال ووسائط إلكترونية، تفصح عن تواصل المهاجمين مع تنظيم "داعش" ويضيف أن نحو نصف المعتقلين سجنوا في السابق لعلاقتهم بجماعات متشددة وأن عددا منهم يحملون جنسيات أجنبية. تشير هذه المعطيات إلى حجم المشكلة، وكما يبدو فإن التنظيم ينشط في المملكة منذ زمن دون علم السلطات وبعيدا عن أي مراقبة أمنية.
وكان زعيم تنظيم "الدولة" أبو بكر البغدادي، دعا أنصاره في وقت سابق إلى "الجهاد" في كل مكان بما في ذلك السعودية. وحرض على شن هجمات على الشيعة في كل مكان وعلى آل سعود حيث أسماهم مستهزأ في خطاب منسوب له بـ "آل سلول". ويتهم البغدادي دولا عربية وإسلامية وعلى رأسهم السعودية بالتواطؤ مع الدول الغربية التي تشن حربا على التنظيم في العراق وسوريا.
الأيام والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف السعودية و "داعش"، وستثبت مدى قدرة الرياض على ضبط أمن البلاد أمام تنظيم تقرأ قيادته جيدا أرض المعركة قبل الخوض في الحرب وذلك باعترافات عسكريين غربيين وإقليميين، خصوصا وأن التنظيم يضم خبراء ومقاتلين في صفوفه خدموا في جيوش بلادهم سابقا.