سوريا: هل انتهى عهد الدولة الأمنية؟ بقلم: خالد أبو الرز

اثنين, 12/15/2025 - 19:21

في لحظة شديدة التعقيد من تاريخ سوريا الحديث، يبرز اسم الرئيس أحمد الشرع بوصفه مفاجأة سياسية غير محسوبة، حتى لدى أقرب الدوائر التي أحاطت به. فالرجل، كما يرى مؤيدوه قبل معارضيه، أنجز في أشهر قليلة ما كان يحتاج غيره إلى سنوات طويلة، متحركًا بسرعة أشبه بـ«حرق المراحل»، الأمر الذي وضع الداخل والخارج أمام معادلة جديدة لم تكن في الحسبان.
المشهد الداخلي يبدو منقسمًا بين دهشة المؤيدين وصدمة المعارضين. وفي آخر لقاء جمعه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قال الأخير إن أحمد الشرع هو «الضامن الوحيد لمنع انزلاق سوريا نحو حرب أهلية محتّمة».
أما وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو فذهب أبعد من ذلك، حين اعتبر أن نجاح الحكومة الحالية يمثل «الخيار الأفضل لمنع انهيار البلاد وعودة الفوضى»، محذرًا من أن فشلها قد يقود إلى حرب أهلية شاملة، ويحوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة أمام أخطر الجماعات في الشرق الأوسط.
تعكس هذه التصريحات قراءة أميركية ترى أن الشخصية القادرة اليوم على حفظ التوازن الداخلي وحماية الأقليات، هي ذاتها التي تثير مخاوف بعض هذه الأقليات، في تناقض يعكس حساسية المرحلة وتعقيدها.
تحولات داخلية لافتة
اليوم، تعيش سوريا واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ عقود. آلاف السجناء أُطلق سراحهم، والحواجز التي كانت رمزًا للرعب تحولت إلى نقاط خدمة واحترام، فيما بدأ الشارع السوري يستعيد شيئًا من الثقة التي فقدها على مدى سنوات طويلة.
الشعب السوري، الخارج لتوّه من ستة عقود من القمع، ومن حرب دامية خلّفها النظام السابق وراح ضحيتها أكثر من مليون إنسان، لا يزال يحمل جراحًا عميقة. وهو شعب يطالب بالعدالة قبل أي شيء آخر. ولولا وجود شخصية مثل أحمد الشرع، القادر على احتواء غضب الشارع ضمن إطار دولة لا إطار تصفية حسابات، لكان الانفجار الداخلي أقرب إلى الحتمية.
فالبلد الذي تسلمه كان، بحسب توصيف مقربين، «تحت الصفر»: منهكًا اقتصاديًا، متشظيًا اجتماعيًا، ومفتوحًا على احتمالات لا حصر لها.
لقد خرج السوري، للمرة الأولى منذ عقود، من دائرة الخوف إلى فضاء يسمح له بالكلام والسير في الشارع دون تهديد دائم. وعلى الصعيد الخارجي، استعادت سوريا جزءًا من حضورها الإقليمي والدولي، حتى إن استقبال ترامب للشرع، في مشهد وُصف بـ«الرمزي»، أعطى انطباعًا بأن صفحة جديدة قد بدأت.
مؤشرات اقتصادية ورسائل خارجية
وفي تطور لافت، بدأت شركة «موانئ دبي العالمية» قبل أيام إدارة عملياتها رسميًا في مرفأ طرطوس، في خطوة تعيد للمرافئ السورية دورها الاقتصادي، وتشير إلى أن مؤشرات التعافي بدأت تتحرك، ولو بحذر، نحو قدر أكبر من الاستقرار.
غير أن السؤال الجوهري يبقى مطروحًا: هل ما يحدث اليوم يمثل تحولًا بنيويًا عميقًا، أم أنه مجرد مرحلة انتقالية مؤقتة؟
مفترق طرق
سوريا اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم. ما بين الحلم الذي بدأ يتشكل في وعي السوريين، والاختبار الصعب الذي لم يأتِ بعد، تبدو البلاد في بداية صفحة جديدة تُكتب بسرعة غير مألوفة.
فأحمد الشرع أنجز الكثير على مستوى تهدئة الشارع وكسر منظومة الخوف، لكنه يواجه تحديًا أكثر تعقيدًا: إعادة بناء الثقة بين السوريين أنفسهم، وترميم نسيج اجتماعي مزقته حرب طويلة ودموية. فإعادة الإعمار السياسي والاجتماعي أصعب بكثير من إعادة تشغيل المرافئ والطرقات.
ولا تكفي الحرية وحدها إذا لم ترافقها مؤسسات دولة قادرة على الصمود والاستمرار بعد انتهاء عهد وبداية آخر.
يبقى السؤال الأعمق: هل يكون أحمد الشرع بداية مرحلة سورية جديدة، تضع حدًا لعتمة نصف قرن من الخراب الذي خلفته حقبة حكم بشار الأسد ووالده؟
السنوات المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة. لكن الآمال كبيرة، وقد عبّرت عنها فيروز ذات يوم:
شامُ يا ذا السيفِ لم يغبِ
يا كلامَ المجدِ في الكُتبِ
قبلكِ التاريخُ في ظُلَمٍ
بعدكِ استولى على الشُّهُبِ

الفيديو

تابعونا على الفيس