
لم تكن الفنانة الراحلة ديمي منت أبّ مجرد صوت يطرب الآذان أو مدرسة فنية تجددت على أعتابها الأغنية الموريتانية، بل كانت روحًا إنسانية نبيلة، وملاذًا للفقراء والمظلومين وأصحاب الحاجات. فقد رحلت ديمي عن الدنيا، لكن أثرها بقي نابضًا في قلوب كل من عرفها أو سمع عنها، لأنها لم تترك خلفها فقط إرثًا فنيًا خالداً، بل تركت سيرةً من الرحمة والكرم والوقوف مع البشر.
أمّ المساكين.. قلب لا يعرف القسوة
اشتهرت ديمي بصوتها الذي يسافر بالسامع إلى عالم آخر، لكنها كانت تشتهر أيضًا – وبشكل لا يقل أهمية – بيدها الممدودة لكل محتاج.
كانت بيتًا مفتوحًا للضعفاء، وظهرًا يستند إليه المظلوم حين تسدّ الأبواب في وجهه.
كانت ترى المحتاج قبل أن ينطق، وتعرف ألم المظلوم قبل أن يحكي حكايته. لم تكن تمرّ على حزن عابر دون أن تترك فيه لمسة مواساة، ولا على حاجة عاجلة دون أن تسهم في قضائها بما استطاعت.
ديمي.. فنانة حملت الفن والإنسان معًا
رغم نجوميتها، لم تنسَ يومًا أن الفن رسالة، وأن الفنان الحقيقي لا تكتمل مكانته إلا حين يلامس وجدان الناس ويقف معهم.
لقد كانت ديمي فنانة للشعب قبل أن تكون فنانة للمنصات.
ومن عرفها عن قرب يدرك أنها لم تكن تسعى لمجد شخصي، بل لحياة كريمة لمن حولها، وأثر طيب يظل يرافقها حتى بعد رحيلها.
حين أتذكرها اليوم…
أنا، كسفير للإنسانية، كلما وقفت أمام مظلوم منكسر أو فقير عاجز عن العثور على كسرة خبز، عادت ديمي إلى الذاكرة بكل تفاصيلها:
عادت بصوتها الذي يشبه الماء، وبقلبها الذي يشبه الأم، وبسيرتها التي تشبه ظلًّا ظليلًا فوق رؤوس المحتاجين.
أتذكر كيف كانت تسعى لقضاء حوائج الناس دون رياء، وكيف كانت ترى في رفع الظلم عملاً لا يقل قدسية عن الفن نفسه. لقد علمتنا – دون شعارات – أن الإنسان يمكن أن يكون جميلاً بصوته، وأجمل بقلبه.
رحلت وبقي الأثر
رحلت ديمي منت أبّ، لكن سيرتها لا تزال تُروى، وذكراها لا تزال تبعث الدفء في النفوس.
رحلت، لكن كل صاحب حاجة عرف بابها، وكل مظلوم مسحت دمعته، وكل محتاج وجد منها عونًا… يرفع اليوم يديه بالدعاء لها:
رحم الله ديمي، وجعل عملها في ميزان حسناتها، وجزاها عن الفقراء والمظلومين خير الجزاء.
