
شهدت صناعة السلاح العراقية في ثمانينيات القرن الماضي قفزة لافتة، مستندة إلى طموح سياسي وتمويل نفطي مكّن بغداد من تطوير برامج عسكرية متقدمة، من أبرزها التعاون مع الخبير الكندي في الهندسة البالستية جيرالد بول. وقد لعب بول دورًا محوريًا في تطوير صواريخ ومدفعية بعيدة المدى، قبل أن يُغتال في بروكسل عام 1990 في حادث ظلّ محاطًا بالغموض.
كان بول صاحب مشروع "مدفع بابل"، أحد أكثر المشاريع العسكرية جرأة آنذاك، إذ سعى إلى بناء مدفع عملاق قادر نظريًا على إطلاق مقذوفات تصل إلى مدى يزيد على ألف كيلومتر. وتعاقد العراق عبر شركات أوروبية للحصول على أجزاء المدفع الذي بلغ طول سبطانته المخطّط عشرات الأمتار.
لكن المشروع توقّف نهائيًا عقب اغتيال بول واعتراض سلطات بريطانية ويونانية وسويسرية شحنات من مكونات المدفع، ما أدى إلى انهيار شبكة التوريد. وبعد حرب الخليج، اعترف العراق رسميًا بوجود المشروع، وأُتلفت بقاياه تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1991.
ورغم الطموح الكبير، شكّلت نهاية "مدفع بابل" دليلاً جديدًا على أفول عصر المدافع العملاقة، في مقابل صعود الصواريخ والتكنولوجيا الدقيقة كأساس للمعادلات العسكرية الحديثة.
