فوز زهران ممداني بعمدية نيويورك.. انقلاب ناعم في السياسة الأميركية بقلم: عياد أبلال

أحد, 11/09/2025 - 07:34

يُعد فوز زهران ممداني، السياسي الديمقراطي الشاب من أصول أوغندية هندية ومسلمة، بعمدية مدينة نيويورك في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2025 حدثًا سياسيًا غير مسبوق في التاريخ السياسي الأميركي، ليس لنيويورك فحسب، بل للولايات المتحدة عمومًا، نظرًا لأصوله من جهة وحداثة جنسيته الأميركية من جهة أخرى، إذ لم يحصل عليها إلا سنة 2018.
وبالنظر إلى توجهاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهو على النقيض من الجمهوريين، وعلى اختلاف راديكالي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما يُعد من أبرز منتقدي اللوبي الصهيوني في نيويورك، المدينة التي تضم أكبر تجمع لليهود المناصرين لإسرائيل.
تصريحاته الجريئة بخصوص القضية الفلسطينية جعلت منه صوتًا جديدًا في السياسة الأميركية، ومن المتوقع أن تعيد هذه المواقف تشكيل النقاش العام حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط عمومًا.

الخلفية الاجتماعية والثقافية والسياسية لفوزه

لا يمكن فهم مواقف ممداني السياسية تجاه فلسطين إلا عبر سياق نشأته وانتمائه الثقافي المتعدد. فوالداه أوغنديان من أصول هندية مسلمة، وهاجرا إلى الولايات المتحدة عام 2006. والده محمود ممداني أستاذ الدراسات الأنثروبولوجية والأفريقية بجامعة كولومبيا، ووالدته ميرا نيرة مخرجة أفلام حائزة على جوائز دولية.
نشأ ممداني في بيئة فكرية يسارية منفتحة، متأثرة بالفكر ما بعد الكولونيالي، وبأعمال إدوارد سعيد ورشيد الخالدي وغيرهما من المفكرين العرب. وقد نال درجة البكالوريوس من جامعة هارفارد عن أطروحة حول علاقة فرانز فانون بجان جاك روسو، وشارك في تأسيس صحف طلابية وأنشطة ديمقراطية وإيكولوجية.
من هنا، تبدو مواقفه من الاحتلال الإسرائيلي ومن سياسات ترامب انعكاسًا لهذا الوعي الفكري. فقد صرّح مرارًا بأن ما يجري في غزة "تطهير عرقي"، وأكد أنه "سيعتقل نتنياهو إذا زار نيويورك"، ودعا إلى "وقف فوري لإطلاق النار ووقف التمويل العسكري لإسرائيل"، معتبرا أن "غزة اليوم مكان نضبت فيه اللغة من كثرة الحزن".

بين انتقادات ترامب واللوبي الصهيوني وشعبيته بين يهود نيويورك

لم يكن فوز ممداني سهلًا في ظل تصاعد الإسلاموفوبيا خلال عهد ترامب. فقد كشفت مجلة "فوربس" أن 26 مليارديرًا أميركيًا أنفقوا أكثر من 22 مليون دولار خلال أسبوع لمحاولة منعه من الفوز. وهاجمه ترامب بوصفه "شيوعيًا"، مهددًا "بسحب جنسيته"، قبل أن يغير لهجته بعد فوزه ويقول إنه "يأمل أن يحقق نتائج جيدة لنيويورك".
ورغم هذه الهجمات، أظهرت استطلاعات الرأي أن ممداني حصل على نحو 40% من أصوات يهود نيويورك، وهو تحول لافت يعكس تململًا داخل الجالية اليهودية من سياسات نتنياهو وحروبه، ويؤشر على تغيرات في الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل.
هذا النجاح يعكس أيضًا فشل الرواية الإعلامية الغربية التقليدية التي طالما ربطت التعاطف مع فلسطين بمعاداة السامية، ويؤكد تصاعد الوعي الإنساني المشترك الداعي للعدالة وحقوق الإنسان.

التأثيرات المحتملة لفوزه على القضية الفلسطينية والشرق الأوسط

رغم أن عمدة نيويورك لا يملك صلاحيات في السياسة الخارجية، فإن رمزية المنصب كبيرة، لأن المدينة مركز إعلامي وسياسي عالمي، وتحتضن مقر الأمم المتحدة. ومواقف ممداني المؤيدة للحقوق الفلسطينية ستؤثر حتمًا في الرأي العام الأميركي وفي الخطاب السياسي داخل الحزب الديمقراطي.
فالأجيال الجديدة من الشباب الأميركي، التي يمثلها ممداني، باتت أكثر انتقادًا لسياسات إسرائيل، وأكثر استعدادًا لدعم العدالة في فلسطين. وهذا سيساهم في توسع حملات المقاطعة ورفع الوعي داخل الجامعات والمؤسسات الإعلامية الأميركية.
كما سيشجع فوزه الشباب من أصول عربية ومسلمة على المشاركة السياسية في المدن الأميركية الكبرى، ما قد يخلق جيلًا جديدًا من القادة المحليين القادرين على التأثير في القرار الوطني.

نحو إعادة تشكيل الخطاب السياسي الأميركي

سيُحدث فوز ممداني تحولًا في العلاقة بين نيويورك وواشنطن، حيث يُتوقع أن يُشكل ضغطًا شعبيًا باتجاه مزيد من التوازن في الموقف الأميركي من قضايا الشرق الأوسط. ورغم محاولات اللوبي الصهيوني شيطنته ووصفه بمعاداة السامية، فإن تأييد عدد كبير من اليهود الأميركيين له يمنحه قوة أخلاقية وسياسية فريدة.
هذا التحول يعكس بداية أفول السردية الصهيو-أميركية التقليدية حول فلسطين، وصعود خطاب إنساني جديد يربط العدالة في فلسطين بالعدالة في العالم أجمع.

خاتمة

فوز زهران ممداني بعمدية نيويورك ليس حدثًا عابرًا، بل يمثل انقلابًا ناعمًا في السياسة الأميركية، وبداية مرحلة جديدة عنوانها العدالة والمواطنة والمساواة. إنه مؤشر على تراجع هيمنة اللوبي الصهيوني وصعود جيل جديد من الساسة الأميركيين المنفتحين على قيم ما بعد الكولونيالية.
ورغم أن هذا التحول لن يغير موازين القوى في الشرق الأوسط على المدى القريب، فإنه سيغير الخطاب الأميركي حول فلسطين، ويمهد لتحولات فكرية وسياسية عميقة في العلاقة بين العالم العربي والغرب.