ماذا يحدث في مدغشقر؟

سبت, 10/25/2025 - 14:34

بقلم: حكيم نجم الدين – كاتب وباحث نيجيري
تمرّ مدغشقر بأزمة سياسية حادة أدت إلى فرار رئيسها أندريه راجولينا من البلاد، بعد أسابيع من احتجاجات واسعة قادتها حركة الشباب “الجيل زد”، انتهت بسيطرة الكولونيل مايكل راندريانيرينا، قائد وحدة النخبة العسكرية “كابسات”، على السلطة.
وفي محاولة لتبرير تحركه، قال راندريانيرينا إن ما جرى “ليس انقلابًا”، موضحًا أن الانقلابات تكون عندما “يدخل الجنود القصر الرئاسي مسلحين ويطلقون النار وتسفك الدماء، وهذا لم يحدث”. لكن المجتمع الدولي لم يقتنع بتصريحاته، إذ أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “التغيير غير الدستوري للحكومة”، بينما علّق الاتحاد الأفريقي عضوية مدغشقر وأوفد بعثة لمناقشة سبل “استعادة النظام الدستوري”.
بلد غني بالموارد وفقير في الحكم
مدغشقر جزيرة ضخمة تقع في المحيط الهندي شرق أفريقيا، ويبلغ عدد سكانها نحو 33 مليون نسمة، أغلبهم من الشباب. تمتاز بتنوع ثقافي وبيئي فريد، وتنتج أجود أنواع الفانيليا في العالم إلى جانب القهوة والقرنفل، كما تمتلك ثروات معدنية كبرى تشمل النيكل والجرافيت والكوبالت.
ورغم نموها الاقتصادي الذي تجاوز 4% في السنوات الأخيرة، فإن أكثر من 70% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر بسبب سوء الإدارة والفساد وضعف البنية التحتية.
تاريخ من الانقلابات والتقلبات السياسية
منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، عانت مدغشقر من اضطرابات سياسية متكررة وانقلابات عسكرية متتابعة. ومن أبرزها انقلاب عام 2009 الذي أطاح بالرئيس مارك رافالومانانا، وجاء بأندريه راجولينا إلى السلطة بمساندة وحدة “كابسات” العسكرية ذاتها التي أطاحت به مؤخرًا.
راجولينا وفرنسا.. علاقة مثيرة للجدل
واجه الرئيس المخلوع اتهامات بأنه “دمية في يد فرنسا”، القوة الاستعمارية السابقة التي ما زالت تحتفظ بنفوذ اقتصادي وسياسي واسع في البلاد. وتزايد الغضب الشعبي بعد الكشف عن حصول راجولينا على الجنسية الفرنسية عام 2014 دون إعلان ذلك، ما اعتُبر “خيانة وطنية”.
وازداد الاحتقان بعد أن نُقل من البلاد على متن مروحية عسكرية فرنسية عقب تصاعد الاحتجاجات، في وقت تزامن مع الإفراج عن فرنسيين متهمين بمحاولة انقلاب عام 2021، مما غذّى الشكوك حول صفقة خفية بين باريس وراجولينا.
جيل الغضب: شباب "الجيل زد" يقود التغيير
بدأت الشرارة باحتجاجات ضد انقطاع الكهرباء والماء، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة شعبية واسعة تطالب برحيل راجولينا وحل البرلمان ومحاربة الفساد.
تميزت حركة “الجيل زد” باستخدامها المكثف للمنصات الرقمية مثل “ديسكورد” و”سيغنال”، واعتمادها رموزًا شبابية عصرية تعكس وعيًا سياسيًا جديدًا لدى الجيل الملغاشي الصاعد.
كابسات.. صانع الملوك من جديد
تحوّل ولاء وحدة “كابسات” كان نقطة الحسم؛ إذ رفضت تنفيذ أوامر إطلاق النار على المحتجين، وانحازت إليهم. وبعد أيام، أعلن قائدها الكولونيل راندريانيرينا توليه السلطة وتشكيل حكومة انتقالية، متعهدًا بإشراك الشباب في إدارة البلاد.
لكن منتقديه يرون أن ما جرى ليس سوى “انقلاب مقنع”، خاصة أنه تجاوز الدستور الذي ينص على أن يتولى رئيس البرلمان المنصب مؤقتًا في حال شغور الرئاسة.
مستقبل غامض ومخاطر اقتصادية
تواجه مدغشقر اليوم مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم، إذ لم يُحدد موعد الانتخابات المقبلة وسط تحذيرات من انزلاق البلاد نحو أزمة جديدة إذا طال أمد الحكم العسكري.
ويخشى المراقبون من أن يؤدي عدم الاستقرار إلى تعطيل صادرات الفانيليا والمعادن الحيوية التي تعتمد عليها سلاسل التوريد العالمية، خاصة في ظل اهتمام القوى الكبرى – مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا – بالموارد الاستراتيجية للبلاد.
فرنسا في موقف حرج
تجد باريس نفسها أمام معضلة: فهي تخشى خسارة نفوذها الاقتصادي في حال تبنّت الحكومة الجديدة خطابًا مناهضًا لها، كما حدث في دول أفريقية أخرى شهدت انقلابات مشابهة. زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدغشقر في أبريل 2025، وتوقيعه اتفاقيات بمليارات الدولارات، تعكس حجم المصالح الفرنسية المهددة اليوم.
خاتمة
تبدو مدغشقر اليوم أمام مفترق طرق حاسم بين انتقال ديمقراطي جديد أو عودة إلى دوامة الانقلابات. وبينما يرفع الشباب شعار “التغيير الحقيقي”، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيكون الكولونيل راندريانيرينا قائد مرحلة إصلاح أم وجهًا جديدًا لحكم العسكر في ثوب مدني؟