تحديات الشعب الفلسطيني ما بعد وقف العدوان على غزة بقلم: ماجد الزي

سبت, 10/18/2025 - 21:49

أفضت السنتان الماضيتان وما تخلّلهما من أحداث جسام على صعيد القضية الفلسطينية ببعدها الوطني وكذلك امتداداته الإقليمية والدولية، إلى جملة تحديات صعبة، بعضها مفصلي، وهي في ذات الوقت متداخلة. ولعل العديد منها ليس وليد المرحلة الماضية تحديدًا، لكنها تعاظمت وفرضت نفسها على المشهد، وبعضها له أثر إيجابي بالبعد التحرري واستعادة الحقوق الثابتة، بينما الأخرى سلبية وخطيرة وتصنف بأنها وجودية.
خلال أيام معدودة، بين غزة والقدس المحتلة وشرم الشيخ، تصدرت القضية الفلسطينية المشهد العالمي حتى يوم الاثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، لترسم معالم واضحة لحجم ما يواجهه الشعب الفلسطيني من مسؤوليات كبرى على المديات الزمنية القريبة والمتوسطة والبعيدة، سواء بالبعد الرسمي ممثلًا في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أو الفصائلي، أو منظمات المجتمع الأهلي، أو الشخصيات الوطنية، بل وكل فلسطيني داخل الوطن أو في الشتات.

غزة وواجب الوفاء (خطة مارشال)

ما كابده أهل غزة من مذابح وتطهير عرقي وتجويع وتهجير وهدم، يوجب على بقية الفلسطينيين وقفة وفاء عاجلة في كل المجالات الحياتية، المعيشية والطبية والتعليمية، بما يوازي "خطة مارشال" لإعادة إعمار غزة وعودتها للحياة الطبيعية. هذا الدعم سيمكنهم من الثبات في أرضهم ومواجهة مشاريع التهجير وإفشالها.
سياسيًا، يجب رفض ما ورد في خطة ترامب حول مستقبل غزة وما تضمّنته من وصاية على الشعب الفلسطيني وسلب السيادة الوطنية، والعمل على تحميل الاحتلال كامل المسؤولية عن جرائمه وملاحقته قانونيًا. كما تقع على الفلسطينيين مسؤولية إبقاء غزة في ضمير الشعوب العربية والإسلامية والعالم أجمع، لتبقى "مظلمة غزة" حاضرة وتتحول إلى "عقدة غزة" تطارد الاحتلال وداعميه كما تطاردهم عقدة الهولوكوست.

خطة الضم والتهجير والتهويد في الضفة والقدس

لم يعد المخطط الصهيوني لضم الضفة وترسيخ المستوطنات وتهجير الفلسطينيين خافيًا، كما أن الأطماع في المسجد الأقصى وتهويد القدس باتت معلنة ومدعومة أميركيًا. إسقاط البند 21 من خطة ترامب وتراجعه أمام الضغوط الإسرائيلية وتأكيده على وضع القدس، تكشف طبيعة الخطر. ومع ذلك، فإن الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية توفر أرضية قوية للحراك الفلسطيني القانوني والسياسي في مواجهة هذه المخططات وإثبات عدم شرعية الاستيطان وممارسات الاحتلال.

الأسرى في سجون الاحتلال

يبقى أكثر من 9 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، يمثلون قضية إجماع وطني. التحدي هو إبقاؤهم في صدارة الوجدان الوطني، وضمان حقوقهم والعمل على تحريرهم ضمن ما تكفله القوانين الدولية، مع ضرورة مأسسة قضيتهم والتعاون مع المؤسسات العربية والدولية للضغط على الاحتلال.

أوضاع فلسطينيي الخارج.. لبنان وسوريا نموذجًا

يعاني فلسطينو الخارج أوضاعًا صعبة، خصوصًا في لبنان وسوريا. في لبنان، تدهورت الأوضاع المعيشية للمخيمات، وامتدت آثار عدوان غزة ميدانيًا إلى بعض المناطق. أما في سوريا، فدمار مخيم اليرموك والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة جعلا نحو 400 ألف فلسطيني يعيشون أوضاعًا استثنائية تتطلب رعاية معيشية وقانونية عاجلة.

التصدي القانوني للمشروع الصهيوني عالميًا

تراجعت المكانة الدولية لدولة الاحتلال بعد ثمانية عقود على قيامها، حتى اعترف الرئيس الأميركي نفسه بأن جزءًا من تدخله لفرض وقف الحرب على غزة جاء لإنقاذ صورة إسرائيل عالميًا. لكن محاولات الاحتلال للهجوم على الرواية الفلسطينية وتشويه المؤسسات مثل وكالة الأونروا تتطلب تصديًا قانونيًا وشعبيًا في كل المحافل، واستنهاض طاقات الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم لدعم قضيتهم.

ضمان استدامة التضامن العالمي

شهدت القضية الفلسطينية تحولًا إيجابيًا عالميًا على المستويين الرسمي والشعبي، إذ أصبحت السردية الفلسطينية مسيطرة في الوعي العام بفضل الإعلام الجديد. المظاهرات والملاحقات القانونية ضد الاحتلال بلغت مستوى غير مسبوق، لكن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب تنسيقًا فعالًا بين الجاليات الفلسطينية والمؤسسات الأهلية حول العالم، وتعزيز التعاون العربي والإسلامي لضمان استدامة هذا التضامن.

الوضع الداخلي الفلسطيني والمرجعية القيادية

أكبر التحديات هو غياب القيادة الشرعية والمرجعية الوطنية الجامعة، ما أفسح المجال لمحاولات فرض الوصاية على القرار الفلسطيني. هذا الضعف القيادي نتيجة تغييب إرادة الشعب وانفراد السلطة بالقرار، ما يستوجب تشكيل جبهة وطنية فلسطينية انتقالية تضم كل القوى والفصائل والمستقلين لإعادة بناء الهيكل القيادي الفلسطيني على أسس ديمقراطية، تشمل منظمة التحرير، وتضمن مشاركة جميع الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه.
كما يُقترح تشكيل مرجعيات قيادية محلية منتخبة في أماكن تواجد الفلسطينيين حول العالم، لضمان تمثيل شامل وضغط حضاري فاعل في القضايا الوطنية والسياسية.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
ماجد الزير – ناشط ومتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين

الفيديو

تابعونا على الفيس