لماذا يخاف نتنياهو من عودة تركيا إلى غزة؟ سمير العركي

سبت, 10/18/2025 - 21:45

"لم تعد تركيا مجرد وسيط مؤقت، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا وأحد مهندسي النظام الجديد"، هكذا وصف عوديد عيلام، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب السابق في الموساد، الدور التركي الذي برز مؤخرًا في مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
فتركيا التي انخرطت مبكرًا في الأزمة، لم تكن طرفًا رئيسيًا في المفاوضات التي استمرت قرابة عامين برعاية قطرية–مصرية مشتركة، لكنها نجحت في صناعة الفارق عندما ألقت بثقلها إلى جانب القاهرة والدوحة حتى تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهو ما استحق إشادات متكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان آخرها في كلمته بمؤتمر السلام في شرم الشيخ، حيث ثمّن دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التوصل إلى الاتفاق، الذي تعد تركيا واحدة من الضامنين الأساسيين له.
هذا التناغم بين واشنطن وأنقرة، وبشكل أدق بين ترامب وأردوغان، أثار قلقًا داخل إسرائيل، إذ يرى عوديد عيلام أن "أردوغان، بدعم من ترامب، لديه القدرة على تحويل الأزمة إلى فرصة، وقد فعل ذلك مرة أخرى". ويزداد القلق الإسرائيلي مع تزايد الحديث عن الدور التركي المتوقع في اليوم التالي لوقف الحرب، سواء في الترتيبات الأمنية أو في إعادة الإعمار وتأهيل الإدارة الجديدة التي ستتولى شؤون القطاع.
هذا القلق عبّرت عنه نوا لازيمي، الخبيرة في معهد ميسغاف للأمن القومي، بقولها إن "إشراك تركيا في اتفاق غزة يعني الاعتراف بها كقوة سنية مؤثرة، وقبول حقيقة مفادها أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاقيات إقليمية شاملة، وخاصة بشأن القضية الفلسطينية، دون مشاركة تركيا".
تدرك تل أبيب أن الانخراط التركي في الملف الفلسطيني سيختلف جذريًا عن نظيره الإيراني، الذي لم يحظَ بقبول شعبي في المنطقة بسبب الخلافات المذهبية والسياسات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن. لكن الأمر مختلف مع تركيا التي نجحت في ترميم علاقاتها الإقليمية خلال السنوات الأخيرة، وعززت تعاونها مع دول المنطقة، وكانت أزمة غزة فرصة إضافية لتأكيد حضورها.
يرى خبير مكافحة الإرهاب الإسرائيلي إيلي كارمون أن هذا التمدد التركي "يشكل تهديدًا آخر لإسرائيل على المدى البعيد، بالإضافة إلى التهديد السوري". وتزداد المخاوف مع ملامح الإستراتيجية التركية الجديدة تجاه غزة والمنطقة عمومًا.

الحفاظ على القطاع

أولى ملامح الإستراتيجية التركية، التي تتعارض مع المخططات الإسرائيلية، هي ضرورة الحفاظ على قطاع غزة بسكانه ومقاومته، حتى في أسوأ السيناريوهات التي قد تتضمن نزع أو تجميد سلاح المقاومة. فتركيا تنظر إلى المقاومة الفلسطينية كخط دفاع متقدم عن أمنها القومي، وقد شبهها أردوغان سابقًا بـ"قواي ملليه"، أي المقاومة الوطنية التركية التي قادت حرب الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى.
لهذا لم يكن متوقعًا أن تسمح أنقرة بانهيار المقاومة، لكن أمام حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد سكان القطاع، اضطرت إلى العمل على إيقاف المذبحة ولو على حساب تجميد العمل العسكري مؤقتًا. وتستند أنقرة في ذلك إلى تجربة مشابهة في سوريا حين انخرطت في مسار أستانا واتفاقية خفض التصعيد، حفاظًا على ما تبقى من الثورة السورية ومنعًا لانهيار إدلب.
من هنا تخشى إسرائيل أن تركيا، حال مشاركتها في إدارة القطاع، لن تعمل على تفكيك المقاومة بل ربما تدعم إعادة تنظيمها كما فعلت مع فصائل الثورة السورية. كما أن تمسك أنقرة ببقاء سكان غزة ومنع تهجيرهم يشكل ضربة للمخطط الإسرائيلي الهادف إلى إفراغ القطاع والسماح ببدء الاستيطان.

عودة تركية إلى غزة

إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن تركيا ستشارك بقوات في القوة الدولية المكلّفة بمهام الأمن في القطاع، وهو ما تعتبره إسرائيل كابوسًا استراتيجيًا. فوجود قوات تركية على حدودها الجنوبية لأول مرة منذ أكثر من قرن يمثل تطورًا غير مسبوق. ويذكّر إيلي كارمون بأن تركيا "أقوى عسكريًا من إيران" وأنها "تحاصر إسرائيل اقتصاديًا وتمنع مرور الطائرات والسفن وتعرقل مشاريع الغاز شرق المتوسط".
وتفاقم التوتر مؤخرًا حين منع أردوغان نتنياهو من المشاركة في مؤتمر السلام بشرم الشيخ مهددًا بإلغاء مشاركته إن حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما أدى فعلاً إلى غياب نتنياهو عن المؤتمر.
هذه التطورات تجعل من وجود قوات تركية في غزة خطوة مقلقة لإسرائيل التي تعتبرها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة أن أنقرة سبق أن حذرت من اقتراب أي قوات إسرائيلية من حدودها. كما ترى بعض التقديرات الإسرائيلية أن مشاركة شركات تركية في إعادة إعمار القطاع ستُبقي لحماس حضورًا قويًا داخل غزة.

تعاون إقليمي جديد

التعاون مع دول الجوار أصبح ركيزة أساسية في السياسة التركية تجاه الأزمة. فأنقرة تحركت عبر الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ضمن لجنة وزارية عربية–إسلامية، وعززت هذا الإطار بتنسيق ثلاثي مع مصر وقطر في مفاوضات وقف إطلاق النار، ما ساهم في دفع إدارة ترامب نحو إنهاء الحرب وبدء إعادة الإعمار.
ويرى عوديد عيلام أن تركيا "لم تكتف بتعزيز قوتها البحرية والتكنولوجية، بل وسعت أيضًا تعاونها مع دول الشرق الأوسط"، وهو ما يثير قلق إسرائيل في ظل تصاعد التنسيق الأمني التركي–المصري. فالتقارب بين أنقرة والقاهرة، الذي تُوج بمناورات بحرية مشتركة، يمثل تطورًا جيوسياسيًا مهمًا نابعًا من تداعيات حرب غزة، ويعزز محورًا إقليميًا جديدًا في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.

ما بعد غزة

تسعى تركيا إلى توظيف نجاحها في وقف الحرب لبناء إستراتيجية إقليمية تخدم مصالحها الأمنية وتعزز نفوذها. ومن المرجح أن تركز أنقرة خلال المرحلة المقبلة على الملف السوري، خصوصًا إنهاء تهديدات قوات سوريا الديمقراطية، سواء عبر اتفاق أو مواجهة عسكرية، خاصة مع حاجة واشنطن إلى دعم أردوغان في وساطة الحرب الأوكرانية.
ويرى محللون أن تعافي الدولة السورية أمنيًا بدعم تركي سيمثل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، التي تخشى من تعاون تركي–سوري متصاعد يعيد التوازن الإقليمي ضدها.

وأخيرًا

يقول الباحث الإسرائيلي شاي غال إن "المرحلة القادمة ليست عسكرية بل معرفية، تفرض إسرائيل الواقع قبل أن تعيد الدوحة وأنقرة صياغته بلغة حماس. فإذا سُمح لهما بالجلوس على الطاولة فسيُعد ذلك هزيمة لإسرائيل، أما إذا استُبعدتا فقد تنشأ منظومة جديدة أكثر عداءً لتل أبيب".
وبينما جلست أنقرة والدوحة بالفعل في المفاوضات الأولى، تبقى التحديات قائمة لما هو قادم من مراحل، في ظل استمرار الصراع بين مشروعين متناقضين: مشروع الهيمنة الإسرائيلية، ومشروع التوازن الإقليمي التركي–العربي الجديد.

الفيديو

تابعونا على الفيس